يقول «أفلاطون»: يجب البدء لا بالمواضيع الخاصة، الموصوفة بأنها جميلة، وإنما بالجمال».. لماذا قال ذلك؟ لأن الجمال لا يمكن أن يكون قيمة ملموسة باستمرار، وهناك جمال الروح وجمال الطباع الجمال النسبي، وترجع نسبيته إلى قدرة كل منا في تذوق الجمال،
فالذي يرى تلك اللوحة التشكيلية أنها جميلة، يصفها شخص آخر بأنها عادية الجمال!. لماذا؟ لأنه لا يمكن صياغة معيار للجمال؛ نظراً لتنوع الأذواق. حيث كل شخص يدرك الجمال إدراكاً يختلف عن الشخص الآخر ولا تسأله كيف استطعت إدراك هذا الجمال لأن الإدراك له طرق خفية يعجز الفنان نفسه عن إدراكها فيه وبالتالي تفسيرها. لذلك يرى «هيغل» أن الإنسان يظهر براعته ومهارته في المنتجات المنبثقة من الروح أكثر مما يظهرها في محاكاته الطبيعة ولا تسأله كيف أنتجت هذه البراعة أو تلك المهارة؛ لأنه لن يتمكن من إشباع نهم الإجابة عندك. بالتالي نقول معاً مقولة «شيللر» الجمال والفرح يكونان على أشدهما حيثما للجمال سيادة. وفي إلحاقه الفرح بالجمال إثبات أن الجمال فرح داخلي يُظهر كل ما عنده إلى الخارج. لهذا الجمال الطبيعي غير متصل، المتصل الجمال الفني. الجمال الطبيعي منقطع يحكمه زمن وظروف حيث تذبل الزهور ويهرم الإنسان وتشيخ الطبيعة بينما الجمال الفني باقٍ لا يذبل ولا يهرم أو يشيخ. ذكر لنا التاريخ فكاهات عن الجمال في الفن التشكيلي حيث من فكاهاته أن زوكسيس «رسام أغريقي في القرن الخامس عشر» كان يرسم عنباً له ظاهر جد طبيعي بحيث كان الحمام يخدع به ويأتي إليه لينقره. هذا الجمال الفني استطاع خداع الحمام وإيهامه علماً بأنه ليس الإبداع محاكاة الطبيعة وإنما ما ينبثق عن الروح من جمال فني يجعل الأشياء الجميلة تتنوع تنوع لا متناهٍ: النحت.. الموسيقى.. الرسم ، كما وتختلف باختلاف الشعوب والعصور ذلك لأن الفن في جماله يعتبر وسيلة لفهم ديانة شعب من الشعوب، لاشتراكه بين الدين والفلسفة. ما يدلل على كون الجمال ليس قيمة ملموسة قوله تعالى: في آل عمران 159 {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} هل جذبهم إليه صلى الله عليه وسلم جمال وجهه أو حسن مظهره أو كثرة ماله!؟ لا بل هو جمال الأسلوب أعظم فن به نملك جذب الناس لنا أو تنفيرهم منّا. الجمال يرتبط بالإطار الذي يوجد فيه حيث يمكن للصخرة أن تبدو جميلة للإنسان. أما الإحساس بالجمال فهو مسألة فطرية في أعماق النفس الإنسانية وبتلقائية تجد حتى الطفل ينجذب للجمال وللشيء الجمال بدليل في داخل كل طفل تقريباً صورة لامرأة جميلة مازال يحتفظ بها في ذهنه ويتمنى رؤيتها أو الارتباط بامرأة تشبهها. فتشوا في أذهانكم تجدوا تلك المرأة.