كثيرا ما نسمع أو نقرأ أو تمر بنا عبارة «عملية تبادلية» أو «علاقة تبادلية»، وأنه أي علاقة لا تبادل فيها علاقة خائبة, حيث إن التبادل أساس دوام العلاقات واستمراريتها وتطورها. ذلك لأن للتبادل معاني كثيرة فهو تقايض ومبادلة الواحد الآخر والتناوب والتعاقب والتداول والمقابلة بالمثل حيث من التبادل تبادل الآراء وتبادل المعلومات
والبيانات وتبادل الخبرات فهي ثيمة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلاقات الإنسانية أجمع, فالإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن البشر داخل أو خارج بيئته ووطنه، ولأنه لا يستطيع العيش فإنه لا يملك التعامل مع ذاته فقط منفصلا عن الآخر انفصالا جزئيا أو تاما. العلاقات التبادلية تؤسس لعلاقات إنسانية لا نستطيع العيش بدونها. فقد أشارت أكثر الدراسات إلى أن 85% من أسباب النجاح في مجال العمل يرجع إلى قدرتنا على تكوين علاقات إنسانية رائعة قوامها التبادل و 15% يعود إلى النواحي الفنية.
هناك مراكز على الإنترنت مهاراتية تعليمية تمكن الشخص من معرفة كيف هي علاقاته وأسلوب تعامله مع الآخرين من خلال أسئلة يجيب عليها تنتهي به إلى سماته الشخصية، بالتالي تحسينها وتطويرها وتصحيحها حتى تصل به إلى تأسيس شخصية قادرة على إنشاء علاقات إنسانية تبادلية مع الناس. لو حاولنا الرجوع قليلاً إلى بيئتنا المنزلية نجد أن هذه العلاقة أعني التبادلية موجودة أصلا في تعاملاتنا مع أفراد الأسرة لكننا لم نكن نركز عليها أو نوليها اهتماما على اعتبار أنها قيمة إنسانية من الضروري رعايتها وتنميتها والصعود بها إلى أفضل حالات العلاقات الإنسانية التي تبدأ من محيط الأسرة ثم تخرج منها إلى محيط المدرسة والشارع.
علاقتنا مع العلاقات التبادلية علاقة تلقائية لا إرادية، تتجه حيث يجرفها تيار التعامل.
فالأسر التي نكرر زياراتنا لهم ولا يزوروننا نتوقف عن زيارتهم. الأشخاص الذي يستقبلوننا بحفاوة وتكريم في المأكل والمشرب نبادلهم الشيء نفسه إذا قاموا بزيارتنا. من يذكرنا في المناسبات بالهدايا والدعوات نذكره نحن في مناسباتنا. في حياتنا وعيشنا التلقائي مع بعضنا البعض ، مع أهلينا، مع أصدقائنا نتعامل تعاملا قوامه التبادل لكننا لا نركز على مفهوم العلاقات التبادلية، وقلما يضعها الشخص نصب عينه بالتالي ينهض بهذه العلاقات ويهتم بها ويرعاها مما نتج عن ذلك تراجع وفتور في العلاقات بجانب دخول فكرة حسن أحس الأحسن.
ولنا في الحكمة الصينية امتثال (إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم، لا ينبغي له أن يفتح متجراً) مع ملاحظة كون الابتسامة علاقة تبادلية، حيث لك تصور رد فعلك أمام شخص تبتسم له في حين يتمسك بتقطيبه وعبوسه في وجهك!!. هذه العلاقات التبادلية تمكننا من تكوين مفهوم جيد للأشخاص، بالتالي إدراكهم من أجل إما مواصلة العلاقة معهم أو إيقافها لقدرة العلاقات التبادلية في تكوين إدراك للنفس وللآخر عن طريق التفاعل معهم.
فالطفل قد يتعرض لإعاقة في النمو النفسي والاجتماعي وفي تطوير بعض من المهارات كاللغة لأن علاقاته التبادلية ضعيفة بسبب عزلته عن الآخر ، فالعزلة عن الآخر تضعف لدينا القدرة على تمييز العدو من الصديق أمام عالم أصبح اليوم رقميا، فلا مجال ولا إمكانية للعزل مهما حاولت بعض المجتمعات أو الأسر عزل مجتمعها أو أسرتها عن العالم الآخر، والآخر حاضر لديه متمثل في أجهزة بحجم كفه وأصغر أو أكبر وهنا تقع مشكلة التعاطي مع الآخر والتبادل معه بكيفية تحفظ للفرد وللمجتمع هويته التي لا تكون ما يكن هذا الفرد، وذاك المجتمع متسلح بسلاح المعرفة وبحصانتها.
العلاقات التبادلية أهم علاقة ينبغي لنا القراءة فيها وهي تدخل وتتدخل في أمورنا الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمصيرية، لكننا، وبكل أسف أجلنا فهم نظرية العلاقات التبادلية لإيماننا بقدرتنا على عزل أنفسنا ومجتمعنا وأسرنا عن الاحتكاك بالعالم الآخر خوفا وريبة منه لكنه أتى إلينا في أجهزتنا فكيف نتعامل مع مجتمعنا وأبنائنا أو نؤسس لديهم وعيا تجاه الآخر!؟.