من نعم الله سبحانه وتعالى على أهل الإسلام أن منّ عليهم بمواسم عديدة، يكثرون فيها من أداء العبادات للخالق عز وجل.
ومن أعظم هذه المواسم في الإسلام شهر رمضان المبارك، الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}(1).
وروي عن الإمام جعفر قوله، قال النبي عليه الصلاة والسلام نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلون من شهر رمضان، وأنزل الفرقان «القرآن» في ليلة القدر.(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما حضر رمضان أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من الف شهر، من حرم خيرها فقد حرم»(3).
قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}(4)
ويقبل المسلمون في مشارق الارض ومغاربها على الله عز وجل -وحدانا وزرافات- في شهر رمضان بالإكثار بالدعاء والذكر، والحرص على أداء الصلوات في المساجد والجوامع، وخصوصاً صلاة القيام والتراويح، التي تأتي مباشرة بعد صلاة العشاء من كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك وهي (20) عشرون ركعة وتؤدى ركعتان ركعتان.
ويحرص المسلمون على أداء نسك العمرة في الشهر المبارك لقول الرسول عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم «عمرة في رمضان تعادل حجة»(5) والصيام في شهر رمضان يقصد به الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة، أي الجماع.
ويكثر المسلمون في شهر رمضان تلاوة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة».
يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه.قال: فيشفعان.
ويقول: القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه.
قال: فيشفعان.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن.(6).. الحديث في الصحيحين.
وعن فاطمة رضي الله عنها، عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها «أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان، قال: «فقرأ بالبقرة ثم النساء، ثم آل عمران، لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة. (8)
وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له :لو نفلت بقية ليلتنا؟
فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته.(9)
وعن نزول القرآن قال: ابن عباس رضي الله عنه إن القرآن أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة، في ليلة القدر ليلة الشرف والعظمة، والدليل قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. (10)
وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}.
وفي تحري ليلة القدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» (11)
والترغيب في قيام هذه الليلة المباركة، قال صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» (12)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت أن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟
قال: قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» (13)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد. (14)
يعيش أهل الإسلام، المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في أيام وليلي شهر رمضان موسماً ليس له مثيل سواء في الصيام نهاراً أو في تناول الإفطار مع غروب الشمس أو في تناول السحور في كل يوم من أيامه المباركة.
** ** **
هوامش:
1 - الآية: 185 من سورة البقرة.
2 - رواه الإمام جعفر.
3 - أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي.
4 - الآيات (1-5) من سورة القدر.
5 - رواه مسلم.
6 - الحديث في الصحيحين.
7 - الحديث: متفق عليه.
8 - رواه أحمد.
9 - أخرجه أهل السنن وحسنه الترمذي.
10 - الآية: 1 من سورة القدر.
11 - آية: 3 من سورة الدخان.
12 - متفق عليه.
13 - رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
14 - رواه ابن ماجة والحاكم، وصححه البوصيري.