في أواخر تسعينيات القرن العشرين، صدر نقاش كثير بعد أن استحدث ستيفن هانكن من شركة «ماكنزي آند كومباني» الاستشاريّة عبارة «حرب المواهب».
وفيما راحت شعبيّتها تتزايد، استعملها البعض لتحذير المؤسسات من نقص مرتقب في المواهب، وأوصوا الشركات باعتباره من التحدّيات الإستراتيجيّة في قطاع الأعمال.
ومنذ انفجار فقاعة الإنترنت، والكساد الكبير وغيره من الاضطرابات، تراجعت حتميّة حرب المواهب المذكورة، إلاّ أنّ التحدّي لا يزال قائماً.
في الأساس، استندت نظريّة حرب المواهب إلى تحوّلات ديموغرافيّة، على غرار التقدّم في السن في أوساط شعوب الغرب.
ومع أن دور هذه التحوّلات لا يزال سديداً، باتت تشكّل اليوم جزءاً من معادلة أكبر، وبالتالي، ينبغي النظر في الوقائع الجديدة التالية:
- تُصرّ دول كثيرة على أن الشركات الأجنبية تأتي بالفائدة إلى المجتمع المحلي، وأنّ الوظائف تحوّلت إلى عملة، وأنّه من شأن صنّاع السياسات الاقتصاديّة أن يستغلّوها في سياق الرهان المتمثّل بدخول سوق جديد.
- تكثر الشركات الأجنبية التي أظهرت تفوّقها منذ عقدين من الزمن، وتواجه اليوم منافسة من مواهب وطنيّة تمّ استقدامها من شركات محلّية.
- تتزايد صعوبة إرسال موظفين أجانب إلى بعض من المناطق الجديدة التي بلغها النمو. وتَظهر حاجة إلى المواهب في أنغولا، ومنغوليا، وفيتنام - التي تختلف بنيتها التحتية تلك التي قد يختبرها موظفون أجانب في لندن، أو باريس، أو سيدني.
- يُسجَّل تفاوت كبير في مستوى المهارات، وباتت الشركات المتعددة الجنسيات، التي اعتادت استقطاب مواهب في الغرب، تستعين بموظفين محليين، قد لا تكون مستوياتهم التعليميّة متناسقة مع ما هو مطلوب.
تدخل «جنرال إلكتريك» في عداد المؤسسات الكثيرة التي تواجه اليوم هذه التحدّيات.
وبعد أن أصبح أكثر من 60 في المئة من القوى العاملة لدينا متمركزاً خارج الولايات المتحدة، بات من الضروريّ أن نتنافس في كلّ بقعة جغرافيّة، وأن نُقدِم على ذلك بالشكل الصحيح.
في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، تتمحور التحديات حول تجديد المواهب ونقل المعرفة، لضمان بقاء الإنتاجية عند مستويات مرتفعة، وإن كان جيل الطفرة قد بلغ سنّ التقاعد. ولدينا عدد من المبادرات التي ستساعدنا على مواجهة هذه التحديات، بما يشمل شراكات تهدف إلى الترويج للإنجازات الأكاديمية وبرامج توظيف قدامى محاربي الجيش.
وفي أفريقيا التي تضمّ إمكانيّات هائلة على صعيد المواهب، إنما تعليماً ومهارات بمستويات متفاوتة، نعمل بالتعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية المحلية، في سبيل استحداث مناهج دراسية تسمح بتعزيز المهارات، ولا سيّما في المواد التقنيّة.
وتُسَجّل منافسة ضارية في بعض الدول التي أرست لنفسها مكانة أكبر على صعيد المواهب، ولا سيّما الصين والهند. ففي هاتين الدولتين، يُنظَر إلى التدريب والتعليم المتواصل على أنّهم عنصران بالغا الأهمية لصنع الفرق. وبالتالي، كان عملنا على إرساء مراكز تطوير قيادة في شنغهاي وبنغالور عظيم الشأن، لإثبات التزامنا بالمواهب المحلية.
لا شكّ في أن تنظيم قوى عاملة قادرة على تحديد حجم الطلب في المناطق الجغرافية المختلفة - إلى جانب مستويات استثمار ملائمة في مجالَي التعليم والنمو - يعتريان أهمّية قصوى لمواجهة التحدّي العالمي على صعيد المواهب.