ما من دولة متحضّرة إلا وتدين الإرهاب والعنف الذي يستهدف فرض آراء سياسية أو فكرية معينة، وللإرهاب أشكالٌ، إرهاب تمارسه جماعات حزبية أو طائفية أو عرقية، وإرهاب تقوم به مليشيات وعصابات تحصل على أجور جرائمها من جهات توظفها خدمة لأهدافها، وإرهاب دولة حيث تقوم تلك الدولة بتشكيل فرق أو مليشيات وحتى عصابات تدعمها بالمال والسلاح، وتغض النظر عن جرائمها من أجل تحقيق برامج وأجندات تلك الدولة، ومع أن كل هذه الأنواع والتصنيفات مرفوضة ومدانة في المجتمع الدولي، إلا أن هناك إرهاباً معروفاً ومصنّفاً وإجرامياً، إلا أن الكثير من الدول لا تدينه، بل إن بعض تلك الدول تحمي الدولة التي وراءه من العقاب الدولي.
نعلم ويعلم الجميع في كل الدول بما يقوم به المستوطنون الإسرائيليون من جرائم إرهابية والتي كان آخرها قتل طفل صغير وإحراقه، إذ اختطف مستوطنون إسرائيليون الطفل محمد أبو خضير من مخيم شعفاط شمال مدينة القدس المحتلة، ومع أن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون قد استنكرا هذه الجريمة البشعة إلا أن استنكارهما وشجبهما للجريمة لا يمنع من تكرارها، وأمريكا وبريطانيا من أكثر الدول مسئوليةً - أدبياً وسياسياً - عن تغوُّل هؤلاء المجرمين المستوطنين، أمريكا التي تدعم إسرائيل بلا حدود، وبريطانيا التي أوجدت هذه القضية بمنحها وطناً قومياً لهؤلاء المستوحشين.
المستوطنون إرهابيون متوحشون سلّحتهم حكومات إسرائيل وأطلقتهم للفتك بالفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وهم ووفق كل المواصفات والمعايير إرهابيون مدعّمون من دولة غاصبة للأرض ومقيّدة لحريات المواطنين الأصليين.
الذين شجبوا واستنكروا جريمة قتل وحرق الطفل الفلسطيني يعلمون أن هذه الجريمة ستتكرر والتي سيتبعها رد فعل من أهل الضحايا والمواطنين الفلسطينيين، وهو ما يعطل ويعرقل أي حل سلمي للقضية الفلسطينية.
نقول إن هؤلاء الشاجبين يعرفون أن أسباب انتشار جرائم الإرهاب في فلسطين هي جرائم المستوطنين الذين يقتلون ويحرقون الفلسطينيين ويدمرون ويحرقون مزارعهم ومنازلهم ويقتلعون أشجار الزيتون الذي يُعد القوت الذي يتقوّت عليه الفلسطينيون، ولهذا فإن الموقف الذي يجب أن يقدم عليه هؤلاء المستنكرون هو التصدي للاستيطان الإسرائيلي وتصفية المستوطنات الصهيونية فوق الأراضي الفلسطينية، وعلى المجتمع الدولي وعلى أمريكا وبريطانيا بالتحديد أن تبادرا إلى مواجهة وإنهاء ظاهرة الاستيطان، فهذه الظاهرة هي بالتأكيد اعتداء على الشعب الفلسطيني وحقوقه وبرعاية ودعم ومساندة من الحكومة الإسرائيلية وجيش الاحتلال الصهيوني، وإذا كان الإسرائيليون حقاً يريدون السلام، فعليهم أن يستجيبوا بل ويبادروا إلى وقف الاستيطان، وتصفية ما سبق أن أنشؤوه لوقف الإرهاب ووقف الجرائم التي انتشرت بعد التوسع في إقامة المستوطنات.