لئن كان الشيخ محمد رشيد رضا، صاحب صحيفة المنار، ذات الشهرة في وقته، والسمعة الحسنة حتى الآن، رغم توقفها قبل وفاة مؤسسها، معروفاً بدفاعه عن السلفية، وكراهيته للبدع والمنكرات، التي تقف دون الإصلاح الإسلامي للعقائد وتنقيتها من تشويه صورة الإسلام، بإدخال أمور لا تمت إليه، والتعصب لها...
حتى إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من سلف الأمة لو ظهروا على وجه الأرض، لأنكروا ما يسود بعض المجتمعات الإسلامية، وجاهدوا الناس على ما ظهر بينهم من قبور وأضرحة، يعمل لأصحابها بها ما هو حق لله سبحانه.
ولئن كان الشيخ محمد شديد النكارة على هؤلاء بصحيفته المنار التي صدر أول عدد منها في 22 شوال 1315هـ بعدما رحل إلى مصر.. فإنه قد أعجب بالملك عبد العزيز شخصية ودعوة وحباً للإصلاح وحماسة في ذلك..
وفي وقت تأسيس هذه الصحيفة وقبل ظهور الملك عبد العزيز، كانت هناك دعوات في العالم العربي والإسلامي للإصلاح الديني والاجتماعي والأدبي؛ لأن اليقظة قد تحركت ضد الدولة العثمانية والمستعمر الغربي، وقد تعرض هو ومن على شاكلته لشدائد ومعارضات، واتهامات يراد منها ثنيه عن حماسته فثبته الله, وكان له علاقة وطيدة بالشيخ محمد عبده في مصر، فسارت المنار على منهج مجلة العروة الوثقى التي كان يصدرها محمد عبده في المنفى، فكانت كأنها امتداد لها، وحرص في المنار على مناصرة العقيدة السلفية والدفاع عن أنصارها.
وقد وجد في الملك عبد العزيز ما كان يدعو إليه ويرجو تحقيقه؛ لأنه شخص يعمل بإخلاص وصدق وعن عقيدة ثابتة لخدمة الإسلام والمسلمين، وأنه منذ بدأ عمله في توحيد البلاد يقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية في دولته، ويلتزم بالمنهج الذي سارت عليه الدعوة التصحيحية بقيادة الإمامين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، ومن جاء بعدهما من أسرة آل سعود الذين تبنوا هذه الدعوة التي لا تحيد في الدعوة عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول في الجزء السابع المجلد 27 من مجلة النار: قد يقول قائل: إنك نصير لابن السعود، وما عهدناك إلا مؤيداً له ومدافعاً عنه، ولم نرك تنتقده في شيء؟.
وأقول في جوابه: لا أنكر أنني أيدت الرجل، ودافعت عنه ولا أزال كذلك، ولكن فيما أعتقد أنه الحق والمصلحة لملتنا وأمتنا، وأنا في ذلك على خطتي التي أعلنها هنا كل عام مرة أو مرارا، وهي أن كل من بين لنا خطأنا في شيء كتبناه، أنا وإخواني، فإن من إنصافنا أن ننشره له مع بيان ما ينافيه، ونترك للقراء الحكم في الخلاف إذا نحن اختلفنا.
وأما مسألة الانتقاد عليه، والنصح له، فإن ما أمر الله تعالى به من الدعوة إلى سبيله، بالحكمة والموعظة الحسنة، يقتضي أن يكون الانتقاد والنصح بيننا وبينه، ما دام ذلك ممكناً، وإنما يلجأ المرء إلى النشر، في حالة امتناع الموعظة في السر، وفي حالة التمرد، وعدم قبول النصح، ونحن نصرح بأننا نصحنا للرجل بالكتابة مراراً، ببيان ما يجب عليه لملته الإسلامية، ولأمته العربية، وانتقدنا عليه بعض الأمور التي رويناها، أو رأيناها من قومه، كتابة في حالة البعد، ومشافهة في حالة القرب، فلم يقابل نصحنا وانتقادنا إلا بالقبول والشكر، مع بيان ما عنده من الاعتقاد والرأي. وإننا نرجو أن يكون ما كتبناه وما سنكتبه لوجه الله تعالى؛ لأن مودتنا هي في سبيل الله تعالى، لا لأجل غرض دنيوي، وهو أعلم الناس بهذا، وقد اعترف لنا به كتابة، ولا سيما بعد عودتنا من الحجاز، وإذا اقتضت المصلحة العامة نشر شيء مما كتبه لنا في ذلك، فإننا ننشره.
إنه قد ثبت عندنا بالاختبار الطويل، أن أهل نجد أشد مسلمي هذا العصر، اعتصاماً بما يعلمون من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبعدهم عن الخرافات، والبدع التي أفسدت على أكثر المسلمين دينهم ودنياهم، وأن آل سعود هم الذين أيـدوا هذا الإصلاح، من نشأته إلى الآن، ولولاهم لما انتشر، وثبت أن ما ينتقد على أهل نجد من التشدد في الدين، خير مما ينتقد على غيرهم من نبذه وراء الظهور، وفي نجد عوام وجاهلون، كما يوجد في سائر الدنيا، ولكنهم أقرب إلى القبول للحق، إذا ثبت عندهم بدليل شرعي، ولا نعرف شعباً غيرهم يبذل نفسه وماله في سبيل الله بالوازع النفسي.
فلهذا دون غيرهم نؤيدهم، ونسعى لترقيتهم، وإكمال ما ينقصهم لخدمة الإسلام والعرب في هذا العصر، ومن الشواهد على ما تقدم أننا لما رأينا في الجرائد المصرية إن الأمير سعوداً قد زار المشهد الحسيني كتبنا إليه كتاباً شددنا فيه الإنكار عليه، وأنكرنا فيه عليه أيضاً، ما قيل من أنه حضر حفلة الموسيقى في حديقة الأزبكية وصفق لها، فلما قرأ ذلك امتعض وتألم تألماً شديداً، وأرسل إلينا معتمد حكومتهم الشيخ فوزان السابق فكذب الخبرين وان قصد الجريدة التي نشرت ذلك الإساءة إلى المملكة وسموه لم يأت لمصر إلا لعلاج عينيه.
ولو لم يفعل ذلك لأنكرنا عليه في الجرائد ولامتنعت عن زيارته هجراً له في الله عز وجل، ولما زرته بعد ذلك كرر تكذيب الخبرين، ونشرت ذلك هنا، وهذا برهان على كوننا نؤيدهم فيما يؤيدون به السنة، وننكر عليهم إذا خالفوها. أ. هـ .
ولما كان صاحب المبدأِ الصادق لا يتزعزع عنه، والموالي له في الله، ومن أجل الله لا يتغير بالمؤثرات، فإن صاحب المنار والملك عبد العزيز كانا يلتقيان في قاسم مشترك بينهما، هو الثبات على المبدأِ الراسخ، المستمد من دين الإسلام والدعوة إلى هذا الدين بأمانة وإخلاص؛ طمعاً فيما عنده تعالى، فالملك عبد العزيز صاحب مبدإِ ثابت يدعو إليه، ويعمل به، ذلك المبدأ هو دين الله الحق، وإخلاص العبادة لله سبحانه، وتطبيق شرعه الذي شرع لعباده، ونفي كل ما نهى عنه وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصاحب المنار يؤمن بذلك ويدعو له، ولما سبر الأغوار، وعرف من الملك عبد العزيز ومن الدعوة التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، أنها تصحيحية للمعتقد، ولإخلاص العمل مع الله، لم تتغير بالمؤثرات، ولا بما يحاك ضده للتأثير عليه، وزعزعة موقفه، ولا بما يكذب على الملك عبد العزيز كما أفتُرِي على الدعوة وعلى أسلافه من قبل.. فصمد بصدق ودافع بعقيدة.., ووالى في الله ولله.
ولذا نراه ينشر بلاغين عن حكومة نجد، بتوقيع فيصل بن عبد العزيز نيابة عن والده وبأمره, فيقول في المنار الجزء 6 المجلد 25, تحت عنوان « للحقيقة وللتاريخ « وبعد العنوان: نرجو من جنابكم أن تفتحوا صدر جريدتكم للكلمة التالية خدمة للتاريخ: وهذا هو البلاغ الأول .
نشرت جريدة المقطم بتاريخ 21 جمادى الثانية 1342 - 27 يناير 1924م مقالاً بعنوان حديث (ملك الحجاز)،وقد اطلعنا في بعض الجرائد السورية والعراقية على أحاديث وتصريحات تكاد تتفق مع هذا الحديث, أن هذه الأحاديث قد تضمنت أشياء عن سلطان نجد وموقفه من القضية العربية، والاتحاد العربي، تخالف الحقيقة والتاريخ، وإننا لنأسف أن يتجرأ المسئولون على الاختلاق على الأحياء.
لقد سعى سلطان نجد في الحرب العالمية وبعد الحرب العالمية لبناء الوحدة العربية، فأرسل الكتب العديدة والرسل: لابن الرشيد وملك الحجاز، وأمير عسير والكويت، ولكن ملك الحجاز من بين أمراء العرب، قابل الدعوة بالاستهزاء، بل سعى لنقض بنيانها بما كان يسعره من نيران الفتن والدسائس في عسير وغيرها، وكتبه المرسلة منه إلى آل عائض والرشيد محفوظة لدينا, وماذا يقولون في الكتب التي أرسلها سلطان نجد مع مساعد بن سويلم إلى ملك الحجاز وأولاده.
تلك الكتب نشرت في الصحف في حينها، والتي نشرت جريدة المقطم قسماً منها، إلا تنطق تلك الكتب بما تنطوي عليه جوانح سلطان نجد، وميله الشريف إلى التصافح مع جيرانه، والاتحاد معهم، هل علموا أن ملك الحجاز لم يسمح لأولاده بإجابة سلطان نجد، وهو (أي ملك الحجاز) قد تخطى حدود اللياقة بأن جعل جوابه لآل السعود كافة، لا للجالس على عرش نجد، هل هذه الأعمال تقرب زمن الاتحاد العربي, وهل بمثل هذه السياسة تجتذب قلوب أمراء العرب؟.
يصرح ملك الحجاز بأنه خاطب سلطان نجد بأنه مستعد للتنازل عن عرشه، وتسليم زمام الأمر لمن يستطيع أن يقود العرب إلى طريق النجاة والسلامة، وهذا أمر لا أساس له بالمرة، بل الواقع يخالفه تمام المخالفة, نعم، إن ملك الحجاز قد صرح إمام بعض الجماهير بمثل هذه التصريحات للتمويه على البسطاء، إن ملك الحجاز يريد ويحاول أن يتولى الزعامة غير المقيدة في جزيرة العرب كلها؛ ليستذل أمراء العرب, ويقتطع بلادهم ويتدخل في شؤونهم الداخلية، وهذا ما لا يمكن أن يوافقه عليه أحد وإن مكاتبات ملك الحجاز إلى أهل القصيم، وحثهم على نقض ولائهم لسلطانهم، لدليل بيّن على ما يخفيه وينويه لسلطان نجد وبلاده.
إن تحت يدنا من الكتب والرسائل التي وجدت في تربة والخرمة وعسير، ما يفيد أن ملك الحجاز وولده عبد الله، لا يسعون إلا لشهواتهم ومصالحهم، ولو أدى إلى هدم بناء العرب، ولكننا نمسك عن نشرها الآن، فإن سمح ملك الحجاز بنشرها نشرناها، وهنالك يعلم العالم الإسلامي والعربي تلك الدسائس والجنايات, نعم سيعلمون أن سلطان نجد لم يكن إلا مدافعاً عن نفسه وبلاده وشرفه، في جميع مواقفه، وإن كان - ولا يزال- راغباً في صميم فؤاده في إنشاء الوحدة العربية على أساس يجعل للعرب قوة ومكانة تليق بتاريخهم المجيد.
20 رجب 1342هـ فيصل بن عبد العزيز آل سعود
- والثاني وعنوانه: (بلاغ آخر من عاصمة نجد إلى العالم الإسلامي والشعب العربي ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) وقد نشر في مجلة المنار الجزء 6 المجلد 25 وهذا نصه:
منذ بضع سنين قام نفر من إخواننا يطالبون باستقلال العرب، وينادون بوجوب اتحاد أمراء العرب فشكرنا سعيهم، وحمدنا عملهم، وسألنا الله أن يحسن قصدهم، ويرشدهم إلى خير العرب، عرضنا عليهم ما عندنا على أن نضع حداً لمطامع الأجانب، ومقدار مداخلتهم في بلاد العرب، فأبوا إلا أن ينفردوا بهذا العمل الخطير، ويأخذوا على عاتقهم مسؤوليته، ويحوزوا هم وحدهم فخر تحرير بلاد العرب، فقلنا: أنجح الله استقلال العرب، أياً كان المحرر والمنقذ، ولكن ما كاد السيف يوضع في غمده، حتى رأينا الاستقلال والتحرير وصاية وانتداباً، وحتى رأينا شباب العرب وأحرارهم يقادون إلى السجون، ويجلون عن بلادهم، ويمنعون من الإقامة في ديارهم، فهل الاستقلال أن يصبح العرب غرباء في بلادهم، ومرافق الحياة في يد غيرهم؟!.
ولولا أن الحجاز يمس شعور المسلمين احتلاله، لرأينا الانتداب قد ضُرب عليه.
ظننا أن القوم بعد هذه الكوارث يفيقون من نومهم، ويثوبون إلى رشدهم، فيعتصمون بحبل الله المتين ثم يستعينون بإخوانهم لانقاذ البلاد العربية، وتحريرها من كل مغتصب، ولكن القوم ما زالوا في طغيانهم يعمهون، ما حرك شعورهم احتلال بلاد العرب، وما آلم نفوسهم ما يعانيه إخوانهم العرب، ولكن استولى عليهم الهلع، وفقدوا الراحة، حينما رأوا جارتهم نجداً قوية مستقلة، لم تنفذ إليها مطامع المستعمرين، فقاموا يناوئونها، ويكدرون صفو راحتها، فهل هذا هو التحرير؟ وهل تعد هذه الأعمال من وسائل الاستقلال؟.
أيها الشعب العربي الكريم: إن نجداً قد حافظت على استقلالها في جاهليتها وإسلامها، ولم يدنس أرضها قدم أجنبي مغتصب، وستبقى محافظة على حقها إن شاء الله، ما بقي في شعبها عرق ينبض.
إن نجداً تمد يدها لكل من يريد خير العرب، ويسعى لاستقلال العرب، وتساعد كل من ينهض لتحرير العرب واتحاد العرب، إن نجداً ترحب بكل عربي أبي، وتعد أرضها وطناً لكل عربي: سوري، أو عراقي، أو حجازي أو مصري، إن نجداً لا تطمع في امتلاك أرض خارجة عن حدودها الطبيعية، ولكنها لا تقبل إلا أن تستقل بلاد العرب كلها، استقلالاً صحيحاً لا يكون لغير أبنائها سلطان عليها.
وبعد أن تعرّض لموضوع الخلافة، وموافقة أهل نجد لإخوانهم أهل مصر والهند في وجوب عرض هذه المسألة على مؤتمر يمثل الشعوب الإسلامية تمثيلاً صحيحاً, وهنالك يسند هذا المنصب إلى الكفء الذي يستطيع أن يصون حقوق المسلمين، ويبعث فيهم روح الحياة والنشاط، ويربطهم برباط الإخوة الذي كاد ينحل، ختم البلاغ بالقول: وهنا لا يسعني إلا أن أشكر إخواننا مسلمي الهند الحاملين علم الجهاد لاستقلال جزيرة العرب، وحفظ الخلافة من عبث العابثين {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} [آل عمران: 8].
الرياض 28 شوال 1343هـ فيصل بن عبد العزيز آل سعود
والمتابع لهذه الصحيفة الرصينة المنار، يجدها تدافع عن دين الله، وتهتم بالملك عبد العزيز؛ لأن صاحبها رأى فيه ناصرا للدين، قامعاً للبدعة، حريصاً على استقلال إخوانه العرب، فاتحاً صدره لجميع المسلمين وهذه خصال سبر محمد رشيد رضا وغيره غورها، فاشتد في حماية عرض الملك عبد العزيز من المغرضين والدفاع عن منهجه.
عاقبة الخيانة: ذكر المسعودي في تاريخه مروج الذهب: إن سابور أحد أكاسرة الفرس قبل ظهور الإسلام، يحمل في نفسه على الضيزن بن معاوية التغلبي أحد ملوك بلاد الجزيرة بأرض الرافدين، والضيزن كثير الجنود، كان مهادناً للروم متحيزاً إليهم، يغير رجاله على العراق والسواد، وكان في نفس سابور عليهم من أجل ذلك، فلما نزل على حصنه تحصن الضيزن في الحصن، فأقام سابور عليه شهراً لا يجد سبيلاً إلى فتحه، ولا يتأتى له حيلة في دخوله، فنظرت النضيرة بنت الضيزن يوماً وقد أشرفت من الحصن إلى سابور، فهويته وأعجبها جماله، وكان من أجمل الناس وأمدهم قامة، فأرسلت إليه: إن أنت ضمنت لي أن تتزوجني وتفضلني على نسائك، أعنتك على فتح هذا الحصن، فضمن لها ذلك فأرسلت إليه: ائت الثرثار - وهو نهر في أعلى الحصن - فانثر فيه تبناً، ثم اتبعه فانظر أين يدخل، فأدخِل الرجال منه، فإن ذلك المكان يفضي إلى الحصن، ففعل ذلك سابور، فلم يشعر أهل الحصن إلا وأصحاب سابور معهم في الحصن، وقد عمدت النضيرة، فسقت أباها الخمر، حتى أسكرته طمعاً في تزويج سابور إياها، وأمر سابور بهدم الحصن، بعد أن قتل الضيزن ومن معه، وعرس سابور بالنضيرة بنت الضيزن،فباتت مسهدة, فقال لها سابور: مالك لا تنامين؟ قالت: إن جنبي يتجافى عن فراشك، قال: ولم؟ فو الله ما نامت الملوك على ألين منه وأوطأ، وإن حشوه من زغب النعام؟! فلما أصبح سابور، نظر فإذا ورقة آس (الآس شجر دائم الخضرة ورقه ناعم ينبت في بلاد العرب (المعجم) بين عكنها).
فتناولها، فكاد بطنها أن يدمى, فقال لها: ويحك بما كان أبواك يغذيانك؟ قالت: بالزبد والمح والثلج والشهد، وصفو الخمر، فقال لها سابور: إني لجدير أن لا أستبقيك بعد إهلاك أبويك وقومك، وكان حالتك عندهم الحالة التي تصفين، فأمر بها، فربطت بغدائرها إلى فرسين جموحين، ثم خلى سبيلهما فقطّعاها، ففي هذا المقتول ومن كان معه في الحصن يقول حري بن الدهماء العبسي:
ألم يحزنك والأنباء تنمى
بما لاقت سراة بني العبيد
ومصرع ضيزن وبني أبيه
وأحلاف الكتـائب من تـزيد
[مروج الذهب 2: 248]