Friday 20/06/2014 Issue 15240 الجمعة 22 شعبان 1435 العدد
20-06-2014

رابطة مسلمي الهند بالملك عبد العزيز

لقد كانت السلفية منتشرة في الهند منذ دخلها الإسلام، ولكن الإسلام هناك تأثر بالدخائل عليه نتيجة الجهل، وفي القرن الخامس الهجري يقول الدكتور عبد الرحمن الفيروائي: زادت حركة السنّة على يد السلطان محمود الغزنوي (360-421هـ) فقد كان فقيهاً ومؤلفاً بعلوم السنّة

وحارب الباطنية ولذا فإن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115هـ-1206هـ) رحمه الله، ما إن بلغتهم وتناظروا مع علماء نجد حتى أحبوها، وعرفوا ارتباطها بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها تسير وفق مذهب أهل السنّة والجماعة، وأهل الحديث في الهند هم على مذهب أهل السنّة والجماعة.

وقد ذكر الباحثون من علماء الهند مجموعة من علماء نجد والحجاز، أخذوا العلم وبخاصة علم الحديث عن علماء أهل الحديث في الهند، أمثال: النواب صديق حسن خان البوفالي، والمحدث نذير حسين الدهلوي والمحدث حسين ين محسن الأنصاري وأصحابهم.. وأن مجموعة كبيرة من علماء الحديث كانوا من أصول عربية.

ونذكر هنا أسماء عشرة من العلماء الذين درسوا في الهند، كدليل على الرابطة العلمية وهم أكثر، من ذلك ولكن هذا للتدليل.

1 - الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ (1276-1319هـ).

2 - الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (1279-1349هـ).

3 - الشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق (1277-1359هـ).

4 - الشيخ علي بن ناصر بن وادي من عنيزة (1273-1361هـ).

5 - الشيخ فوزان السابق بن فوزان (1275-1375هـ).

6 - الشيخ علي بن ماضي.

7 - الشيخ عبد الله بن سعد بن مديهش.

8 - القاضي محمد بن ناصر بن مبارك.

9 - الشيخ عبد الرحمن بن محمد النعماني من الحجاز مكة.

10 - الشيخ عبد الله بن إدريس الحسيني مدرس الحديث بمكة.

ولذا أرسل الملك عبد العزيز أول بعثات لطلب العلم إلى الهند عُرف منهم: الشيخ عبد الله بن يابس، والشيخ عبد العزيز بن راشد، وعبد الله القصيمي، ثم أرسل الشيخ محمد تقي الدين الهلالي، وهو حسني من المغرب.

ولما كان أهل الحديث في الهند، سلفيين في عقيدتهم، فقد كانوا على خلاف مع بعض مسلمي الهند، بسبب العقيدة، وقد توثقت صلتهم بالملك عبد العزيز - رحمه الله - بعدما سطع نجمه، حيث حرص الجميع على محاربة كل دخيل على نقاوة الإسلام، أو يخدش من نضارته، سواء في المعتقد أو في العمل.

تلك الرابطة التي يجمعها كتاب الله، وتوضحها سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدوتهم في ذلك ما سار عليه الصحابة الكرام، والتابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة.

فقد لاحظ أهل الحديث التغير الذي أحدثه الملك عبد العزيز في الحجاز، بعد هيمنته على الأمور حيث أزال البدع، وحارب الخرافات، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحرص على راحة حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمـّن طرق الحج، واهتم بأحوال المسلمين، يقول أحمد عبد الغفور عطار في كتابه صقر الجزيرة: وكل أقطار الإسلام كانت تغط في الجهل والبدع، ولم يسلم الحجاز، وأرض الحرمين من الخمول والبدع، وأنا أدركت آثار الخرافات والبدع الشائعة في مكة حرسها الله، وقضى عليها صحو العقل، الذي يعود الفضل فيه - بعد الله - للدعوة الوهابية.

ثم قال: وكان بين الحجاج علماء وحكام، ورجال فكر وثقافة، وعلوم عصرية، وأعجبهم الرجوع إلى الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى الصلاة جماعة، وإغلاق المتاجر قبيل أوقات الصلاة، والتنزه عن الغش والتدليس في العقود والبيوع، وصون اللسان عن السباب والفحش.

رأوا في حكم عبد العزيز دولة الإسلام، وأخلاق القرآن، وآداب السنّة، فأعجبوا بها كل الإعجاب ونقلوا ما رأوا إلى شعوبهم وبلدانهم، وتزوّد العلماء منهم بالدعوة، ولما عادوا إلى بلدانهم نهضوا بأعبائها، ولكنهم صُدِمُوا، وقاومهم علماء أمثالهم وقاومهم الحكام، لأن الحركة الإسلامية الجديدة تنذر الظلم ظلم العلماء والحكام، وظلم التجار والموظفين، والظلم بكل ضروبه: (1: 125-127).

هذه الحالة التي صوَّرها الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار - رحمه الله - برزت جلية في الهند، بل في كل مكان لكنها في الهند أخذت طابعاً خاصاً، لأن الهند تمثّل أكبر تجمع إسلامي، سلفي العقيدة، وفيها علماء اهتموا بكتاب الله وسنّة سول الله صلى الله عليه وسلم: تأليفاً وتدريساً ودعوة.

وقد حدّثني الشيخ مختار أحمد الندوي - أمير جمعية أهل الحديث بعموم الهند سابقاً - قال: إن الدولة السعودية، في بداية أمرها، حينما كانت في شدة وضنك، بقدر ما كان في وسعها من الإمكانات ولم يقتصر ذلك على الكبار، بل كان الصغار يجتمعون وينشر بعضهم الأبيات التي، يحرّض الناس فيها على نصرة دولتهم، لأنهم يرون أن دولة الملك عبد العزيز دولة لهم، ونصره نصر لهم، وفي هذا ردّ على جمعية الخلافة، فكانت التبرعات تنهال، وكان أهل الخير يأتون بها في موسم الحج، إلى أن أغنى الله الدولة بمنـّه وكرمه.

ومما يُذكر بهذه المناسبة، أن الأمير عبد الله بن عبد الرحمن - رحمه الله - ذكر للشيخ مختار الندوي، والشيخ شرف الدين كتبي، وكانا قدما إلى الرياض في الستينيات الهجرية: أن باخرتين من الهند وصلتا إلى ميناء جدة، بعد أن وليها الملك عبد العزيز، فأمر الملك أخاه عبد الله باستقبال من فيهما من الرجال وإكرامهم، قال الأمير عبد الله: وكانت الباخرتان تحملان المواد الغذائية، والنقود الذهبية، وكانت أول مساعدة وصلت إلينا من الخارج، بعد دخولنا في الحجاز، وكان في الباخرتين رجال من علماء أهل الحديث من (دلي) و(أمرتسر) و(ملتان) وغيرها، وكانوا ما بين الثلاثين إلى الأربعين فلما وصلوا إلى الملك عبد العزيز رحب بهم وأكرمهم، وقد بايعوه على السمع والطاعة، وأن الملك هو إمامهم وأميرهم.. انتهى كلام الشيخ مختار الندوي.

كما ذكر أبو المكرم السلفي في كتابه: جهود الملك عبد العزيز في إقامة دولة التوحيد، ومؤيدوه من أهل الحديث في القارة الهندية قائلاً: كانت علاقة أهل الحديث بالملك عبد العزيز وبدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في العقائد وأصول الدين، وطيدة ومن هنا قاموا، وتصدّوا للرد على المطاعن والتّهم، والأقاويل المكذوبة على الدعوة والدولة السعودية، حتى أصبحوا ملومين من الناس، ورموهم بأنهم عملاء للوهابية، وللملك عبد العزيز.

وعلى الرغم من ذلك ما زال أهل الحديث، قائمين على ما رأوه حقاً، يؤيدونه ويردونه على الدعايات الشائعة، ضد الدعوة وصاحبها، ودولة آل سعود، وتحملوا في ذلك كل أذية نالتهم من بعض المسلمين، أو المنتسبين للإسلام، البالغين إلى النهاية في الكراهية، والتعصب ضد الدولة والدعوة.

ثم قال: وما كان هذا الارتباط في العقيدة والدين، من جانب واحد فحسب، وإنما كان لمسئولي الدولة السعودية، ولأتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، اهتمامٌ بجماعة أهل الحديث، في شئون دينهم ودنياهم، يدل على ذلك الوثائق والرسائل التي دارت بين الملك عبد العزيز وبين جمعية أهل الحديث لعموم الهند، والتي قد حفظها أصحاب صحيفة (أهل حديث) في سطورها وفي ملفاتهم، وكذا ما تحتوى عليه جريدة (أخبار محمدي) التي تصدر كل نصف شهر في دلهي (ص 23، 24).

ومن الرسائل التي بعثها الملك عبد العزيز - رحمه الله - لأعيان أهل الحديث، ما كتبه إلى الحاج محمد الدين الدهلوي وفيها قوله: شفقة أخاننا أهل الحديث، هذا مما لا شك فيه، وفقنا الله وإياهم لما فيه خيري الدين والدنيا، والثبات على الحق، ونصر أهله والرجاء إبلاغهم أزكى التحيات.

كما كتب لأهل الحديث كافة بالهند، لما رأى شيئاً من الخلاف ظهر فيما بين أعيانهم يوصيهم، ويدعوهم لرفع هذا الخلاف ولتوحيد كلمتهم، ونصه كما يلي نقلاً عن صحيفة أهل الحديث الأسبوعية الصادرة في (أمرتسر) بالهند، وذلك في 18 ديسمبر عام 1931م.

من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل السعود، إلى كافة إخواننا أهل الحديث حفظهم الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على خير أنبيائه وأسأله تعالى لنا ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه.

تعلمون حفظكم الله أن التواصي بالحق والصبر، من خصائص المؤمنين، وتعلمون أن الله سبحانه وتعالى، وصف المؤمنين بأنهم رحماء بينهم، وأن حرصنا على جمع كلمتكم لإعلاء شأن التوحيد، في سائر الآفاق، هو الذي يدعونا للكتابة إليكم، وإنه ليؤلمنا أن نرى في جماعتكم أيّ خور أو ضعف، كما أنه يؤلمنا أن يصيبكم أي أذى بأي سبب من الأسباب، وقد رأينا من تتبع أخباركم، أن غيركم من الفرق جمعوا كلمتهم ونظموا صفوفهم للذود عن مصالحهم وأنتم غير مبالين في جمع كلمتكم لحفظ شأن جماعتكم.

لذا أدعوكم أن تجمعوا شمل جماعتكم وأدعو قادة الرأي فيكم، للاجتماع والعمل لما فيه نشر التوحيد والمثابرة على العمل، في هذا السبيل، الذي يعظّم الله فيه الأجر، ليكون بذلك الحسنى من صلاح الدنيا والدين، وإن اجتماع كلمة الناس وتفرق كلمتكم، فيه الوهن لصفوفكم، والحّط من مقام جماعتكم، وهذا ما نرجو أن لا يكون بينكم، وأسأل الله التوفيق في كلّ ما يعلي شأنه ويرضي وجهه الكريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول أبو المكرم السلفي في كتابه: دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في شبه القارة الهندية بين مؤيديها ومعانديها: تعليقاً على رسالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - الآنفة الذكر: وعقب تلقي هذه الرسالة الملكية السامية، قام العلامة ثناء الله الأمر تسري، الأمين العام لجمعية أهل الحديث لعموم الهند، بعقد مؤتمر كبير في دلهي، حضره كثير من أهل العلم، وأصحاب الفضيلة من شتى الجهات، وأخذوا المرسوم الملكي، بغاية الاحترام والتقدير، وبناءً عليه فقد اتفقوا على إنشاء جمعيات محلية، لأهل الحديث في كافة أصقاع الهند، وإلحاقها بجمعية أهل الحديث لعموم الهند بدلهي، المعروفة آنذاك بـ: مؤتمر أهل الحديث لعموم الهند:

(Ahle Hadees Conference All India).

وكانت رابطة عقيدة التوحيد الخالص، وثيقة بين أهل الحديث بالهند، والمتأثرين بدعوة الشيخ محمد التصحيحية في كل مكان، ويقول عمر عبد الجبار في ترجمة أبو بكر خوقير (1284-1349هـ): كان رحمه الله يسافر إلى الهند لجلب كتب السلف ونشرها بمكة، وينتهز الفرصة فيتلقى العلم عن علماء الهند فيحدث تلميذه عبد الستار الدهلوي قائلاً: رويت عن مشايخ معروفين منهم الشيخ حسين الأنصاري اليماني والقاضي أحمد بن إبراهيم بن عيسى، ومكث بمكة عدة سنوات (سير وتراجم 22-24).

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب