العرش

حيث يكون النزاع فقد ينتهي الأمان.. ولا أعجب من أن تُترك رؤوس الفتنة حرة طليقة تعبث بالجماهير المسحورة بطنين الكلمات المستنهضة للعواطف.. وتترك لهم منابر يبثون منها نهاية البشر.

كل رأس له نهج قد يبدو مختلفاً.. إلا أنهم متشابهون بضخ الكراهية ولي جذع الحقيقة الباقية.. التي لا ينافسها مبدأ ولا عقيدة.. «إن روح الإنسان أثمن ما في الوجود».. ولا شيء يسلبها مكانتها عدا أن يكون بداعي إزهاق روح أخرى.

في الحرب سواء كانت فكرية أو جسدية.. بالقلم أو بالمسدس.. تتعرى سخافة الإنسان وسطحيته.. لحظة ينافح ويقدم الروح والوقت والجهد من أجل غارق في رفاهية حياته.. ويحركه «بالريموت كنترول» فيمنحه هيمنة مطلقة على عقله ومشاعره.. يصدق ما يقوله.. ويذعن لمشورته.. ويؤمن بقضيته.. كأن عقله توقف في مرحلة المراهقة.. يوم كانت جماعته هي مقياسه لذاته.. إن رضيت عنه. اعتز بنفسه.. وإن غضبت منه.. كره ذاته!

تسأله عن رأيه.. فيتبنى رأي ملهمه.. تسأله عن شعوره.. فيصف مشاعر إنسان آخر.. تسأله عن مصادره.. فتعود معه من حيث بدأت.. وإن زدت الضغط على عقله النائم.. بادرك بالكراهية.. والمقاطعة.. لأن نقاش الفكرة.. بمثابة انتقاص لمرجعه الذي لا يخجل حتى من افتعال قصص خرافية ومكذوبة وبهلوانية.. لأنه يعلم يقيناً أن جمهوره مغيب تماماً عن التفكير.. فكيف بالبحث في صحة ما يقوله!

تلك الفوضى المجنونة التي تعصف بالبشر.. لحظة تتأملها.. لا يسعك إلا الذهول أمام كل تلك المتناقضات التي تموج بهم.. تتناثر الاستفهامات بين أكوام الضحايا التي ذبحت وتذبح كل يوم..

أغلب القتلى أطفال ونساء ورجال عزّل..!

في كل بقعة دخلت الحرب فيها.. لم تنته بل تتصاعد وتتمدد.. وكل مرحلة لها دواعٍ وأسباب جديدة.

كيف لم يروا السياسة المحجبة بالدين.. والطائفية.. والتاريخ..؟

كيف لم ينتبهوا إلى المقاعد الخلفية التي يحتلها مسعري الحرب.. يشاهدون فصول المذابح في انتظار اللحظة الحاسمة ليعتلوا العروش..

سيمشون على جثث السذج.. وأحلامهم.. ويصعدون على جماجمهم.. وإن بقي من الأغبياء أحد لم يمت.. سيعرف وقت لا ينفعه الاكتشاف المتأخر..

أنه وماله وأهله وأبناءه..كانوا مجرد «مطية» لسقوط سيادة التعيس.. وصعود سيادة الرئيس!