المواقف الدرامية تشعلها الطبطبة أكثر من تحدي الأحزان.. كمن يجبرك على العلقم في سبيل الشفاء.. فمتى تتفاعل وتتأثر مع الآخر.. ومتى تتوقف وتمنحه لكمة الرحمة ليستيقظ من سكرة الانكسار؟
شخصياً لا أملك وصفة دقيقة للتوقيت المناسب.. لكني من واقع تجارب الوقوف على جراح الآخرين رأيت أن وضعية الاستفاقة يلزمها أن تقول لقلبك: اخرس.. وتفتعل القوة.. وتخبر صاحبك أن يرفع رأسه.. ويمسح دمعته ويمضي بعيداً عن موضع الهزيمة.. إما أن تستكين معه وهو يعدد خسائره وتبكي معه.. فأنت تضع فوق همته ثقلا يجهز عليه ويبقيه في القاع.
إن اكتشف مرضاً عضالا ألم به ..فأخبره أن يستمتع بما بقي له من عمر، ويفعل ما كان يؤجله للوقت المناسب، فانحسار الوقت يرغمنا أن نتصرف دون أن يكون للنتيجة أهمية تذكر.
إن خسر ماله.. فذكره أنه من صنع ثروته.. ويمكنه أن يعيدها ألف مرة.. شرط أن يكف عن «الولولة» ولطم عقله.
وإن اشتكى ظلما مستمرا.. فسعر في نفسه معنى الثورة.. والتمرد.. وأخبره أن ينهي شراكته في الاستكانة للقيد.. ليحطمه وإن تقطعت حبال الوصل.. فما قيمة حياة ترزح فيها تحت الوجع.. ماذا ومن تنتظر؟
تعرض للخيانة.. لماذا يزيد من مكاسب الخونة بحزنه وإلى متى يترك جرحه ينزف.. ففي البشر متسع لغيرهم.. فإن لم يخرج للحياة.. لن تطرق بابه وتمنحه دعوة.
وإن أردت أن تكون استفاقة أسرع.. أخبره عن مسؤوليته الواقعية فيما حدث له.. إن كان الضعف.. أو الغفلة.. أو الغباء حتى.
من يواسيك قد يكون أسوأ محرض على أن تبقى كما أنت.. إن لم تتدهور أكثر.. بشر من تكرار مشاهد البؤس في حياتهم تظنهم على علاقة غير شرعية مع الحزن واستدرار الشفقة.. حديثهم لا يخرج عن الشكوى والتذمر.. من الأصدقاء.. والحظ.. والعمل.. والشارع وووإلخ
مع كل أمر وكل أحد.. لهم قضية خاسرة مشبعة بالمبالغة الدرامية..كأن الكون بكل ما فيه.. تآمر عليهم.. هؤلاء مثل النائحة المستأجرة.. عدا أنها هنا مجانية.. تزيد من دوي المصائب وتزيد مدى وصولها.. لتكون أبشع.. أشد ألماً.. أعلى صوتاً.