من يقنع السيد (أوباما) بأن ما يجري في سورية هو جرائم وحشية ونمط من الموت المجاني لا يليق حتى بأدنى الحيوانات مرتبة؟ هل نحتاج حقاً إلى براهين فلسفية عميقة، أو إلى بلاغة عالية كالتي يتمتع بها (أوباما) لنقرر أن الإبادة الجماعية التي يمارسها (بشار) بنشوة بدائية كانت على الأقل حرية بردود فعل إنسانية أكثر حرارة من موقف المتفرج البارد الذي يقفه الضمير العالمي ببلادة منقطعة النظير؟ ترى ما هو الفارق الجوهري العظيم الذي يجعل الضمير الأخلاقي العالمي مُسهّداً حين يتعلق الأمر بجريمة تطال ذوي البشرة البيضاء، بينما تفتقده المأساة السورية؟ من يستطيع اليوم أن يقنعني بأن الحضارة التي تتبجح بإنجازاتها تختلف بشيء عن عصور الهمجية والبربرية والجاهلية الأولى؟ إن حضارة ترتضي بمعادلة تزدري البعد الأخلاقي وتموضعه في الخانة الأخيرة من سلم التفاهات لا أظنها جديرة بإقناع أي إنسان حي، طبعاً لا أتحدث هنا عن الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أومن منظمة المؤتمر الإسلامي، فهذه الكيانات الواهنة جزء من نظام الوهن الذي يغلف الوعي المعاصر، أو هي بالأحرى أدوات الوهن نفسه التي تقصي الضمير الأخلاقي بعيداً عن مدارات اليقظة والمعنى، الحقيقة إن ما يجري في سوريا محفزات قوية تستدعي إعادة الأسئلة الكبرى المتعلقة بحضارة الموت البارد، ولكن ربما لم يحدث شيء من هذا لأن وعي العالم المتحضر لم يكن باليقظة الكافية التي تؤهله لإدراك سمك الخطورة التي تغلف عالم سوريا المأساوي، يستطيع السيد (أوباما) أن يتحدث بحماسة بالغة عن بعض القيم وحرية الاختيار والأخلاق والسلوك وقوة الحكم وضعف المعارضة، دون أن يلتفت كما هي العادة إلى خلطه المأساوي بين المتحقق والمأمول والواقع، ولكنه ربما لا يفقه أو يفرق بين الألم والضحك والحزن والمزح والرثاء! نعم لا تصعب أبداً ملاحظة منطق التنظير والفلسفة في رؤية السيد (أوباما) السياسية، ولكن هذا التنظير السياسي يستدعي قوة بصرية ووعيا مرحليا ونظرة ثاقبة شاملة وفعلا حكيما عاجلا يزيح الغموض الذي ألفناه منه، أما الصبر والأناة وطول البال المسيطر عليه وغموض أجنداته، أمام جحافل القتل والنهب والحرق والهدم والدمار الذي يمارسه بشار وزبانيته، والذي شجع الآخرين أشخاصاً ومنظمات ومجاميع أن يحذوا حذوا، ويتبعوا نفس تفكيره وخطاه، لا يجعل العالم ثابتاً ومستقراً وآمناً ومطمئناً، أن الوجع السوري الذي امتد لأكثر من ثلاث سنوت، لا يجب أن يكون عند السيد (أوباما) مجرد غيمة سرابية تتمرأى في سقف الوهن والوهم والتردد بألوان قزحية لا تقاوم، إن مستقبل سوريا الإرث والتاريخ والإنسان لا يجب أن يكون عند السيد (أوباما) مثل هذه الغيمة، وحضورها في ذهنه لا يجب أن يكون حضوراً هيولياً بحجم الحلم المنكسر، لكن إن أراد للشمس أن تشرق صافية هنية في سورية مرة أخرى، عليه طرد كبير الشياطين هناك وأعوانه الشياطين الصغار، بشكل عاجل غير آجل.