في الوقت الذي تصلنا على الهاتف النقال رسائل تطلب منا أن نشترك في هذه الخدمة، أو تلك لصالح هذا الواعظ، أو ذاك، وذلك نظير دعوة، أو موعظة!!، وفي الوقت الذي نقرأ عن دعاية، تلاحقنا في كل مكان، لرحلة سياحية إلى بلد أوروبي، برفقة داعية شهير!!، وفي ذات التوقيت الذي يهرب معظم أثريائنا إلى أرقى منتجعات العالم، برفقة يخوتهم الفاخرة، هرباً من الحر، تبرع رجل الأعمال الأمريكي الشهير، بيل غيتس، بمبلغ مليار ريال للبنك الإسلامي، أكرر، البنك الإسلامي، وذلك لمكافحة شلل الأطفال، وهذا التبرع يعتبر مبلغاً يسيراً جداً، مقارنة بالأموال الطائلة، والتي تبرع بها هذا الرجل المفعم بالإنسانية، لإخوانه في الإنسانية، في كل مكان، بغض النظر عن اللون، أو الجنس، أو الدين.
وأنا أقرأ عن هذا التبرع، من رجل تبرع بمعظم ثروته للأعمال الخيرية، استعادت ذاكرتي صورة مزدوجة، ومؤلمة، تناقلتها وسائل الإعلام، قبل سنتين، ويظهر في نصفها الأيمن، الناشطة الأمريكية، جوليانا جولي، وهي تجلس بكامل حشمتها، بجانب مسن أفغاني يبكي من الفقر، وفي الجانب الأيسر من الصورة الشهيرة، يبدو أحد أبناء جلدتنا، وهو يتعامل بكل كبرياء، وغطرسة، مع مسن معدم، أثناء تسليمه مبلغاً لا يكاد يذكر من المال، ولا ألوم الذين غضبوا على أثريائنا، ومؤسساتنا المالية، بعد قراءتهم لخبر تبرع غيتس، فمعظم أثريائنا لا يؤمن بمفهوم العمل الخيري الشامل، بل إنّ بعضهم يزاحم الفقير على الخدمات التي تقدمها الدولة، كأسرّة المستشفيات، والمقاعد الجامعية، مع أنّ بإمكانه أن يتعالج في أرقى مستشفيات العالم، ويعلِّم أبناءه في الخارج، دون أن تتأثر ثروته الطائلة!.
أكتب في هذه الجريدة الكبيرة، والواسعة الانتشار، ويصلني على الدوام شكاوى لا حصر لها من الفقراء، والذين يكادون يتفقون على سؤال واحد : أين تذهب أموال التبرعات ؟!!، لأنهم يؤكدون أن الجمعيات الخيرية لا تعطي شيئاً يذكر، هذا إذا قررت المساعدة، لأنها ترفض طلبات المتقدمين في كثير من الأحيان، ويؤكد هذا بعض زملائي الكتّاب، والذين تصلهم ذات الشكاوى، وبعد البحث، والتقصي، اتضح لي أن المشكلة هي أن القلة من أثريائنا، والذين يساهمون بالأعمال الخيرية، يسلمون أمرها إلى المنتمين إلى تنظيمات الإسلام السياسي، والذين يستخدمونها في مشاريع، قد تبدو في ظاهرها خيرية . هذا، ولكنها تخدم التنظيم، في الدرجة الأولى، ولا تجعل مساعدة الفقير في أولوياتها، وقد كتبنا عن ذلك كثيراً، ولكن يبدو أنّ الوضع ما زال على حاله، ولم يتغير، وخلاصة الحديث، نتمنى أن يغار أثرياؤنا، ومؤسساتنا المالية من بيل غيتس، فها هو يفعلها، ويتبرع لمؤسسة إسلامية، في عقر دارنا، فرجاءً، اقرؤوا ما كتبه الناس عن تبرع غيتس، لعل هذا يثير حميتكم، وغيرتكم، يرحمكم الله!.