أحداث العراق الحالية تجعلنا نعود مجدداً، ونؤكد ما سبق أن قلناه، منذ بداية التثوير العربي، ومفاده أن هذا الربيع لم يبدأ في عام 2011، كما توهم البعض، بل بدأ بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في عام 2001، وكانت البداية في العراق، والذي احتلته الولايات المتحدة بحجة تدمير الأسلحة المحرمة، والتي لم يكن لها وجود أصلاً، وبحجة العلاقة المزعومة بين عدوين لدودين، هما صدام حسين وابن لادن !!، وكانت الإدارة الأمريكية تعلم علم اليقين تهافت هذين الزعمين. هذا، ولكنها مضت في ضرب العراق، وسط اعتراض دولي كبير، أو هكذا اعتقدنا، فقد تبين أن ألمانيا، والتي اعترضت بقوة على ضرب العراق، ساهمت بالمجهود الحربي منذ البداية، وذات الأمر ينطبق على فرنسا، وقال المعلقون السياسيون إن الاعتراض الشكلي، الألماني - الفرنسي، كان يهدف إلى دحض حكاية أن الغرب برمته يستهدف الإسلام، والمسلمين!.
تذكرنا كل هذا بعد التصريحات الغربية الحالية، والتي توحي بأن ثوار العراق يقفون على تخوم لندن، وباريس، ونيويورك، فقد صرح رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون بأن ما يجري في العراق يشكل تهديدا للأمن البريطاني!، وتحدث الأمريكيون بذات اللغة، وكأن هؤلاء الثوار جاؤوا من الفضاء على حين غرة، أو كأنهم يملكون أعتى أنواع الأسلحة النووية، وأمريكا، وبريطانيا يعلمان أن هؤلاء الثوار، هم ذات الرجال الذين قاتلوا تنظيم القاعدة خلال السنوات التي أعقبت احتلال العراق عن طريق الصحوات، وحتى لو افترضنا أن هؤلاء الثوار داعشيون، فكيف لم يشكلوا خطراً على الأمن البريطاني، والأمريكي عندما كانوا في سوريا، على مدى سنوات، ثم باتوا يشكلون خطراً عليها في العراق، بعد وجودهم بأسبوع؟!، والغريب أن الساسة الغربيون لا يشعرون بأي خجل، وهم يطلقون مثل هذه التصريحات التي تعودنا عليها، منذ أن أصبح عالمنا المنكوب ميدانا لتسويق الأسلحة، والحروب بالوكالة.
ويظل التحالف الأمريكي - الإيراني المكشوف هو نقطة التحول الكبرى خلال أحداث العراق الحالية، ومن السخرية أن تعلن القوة العظمي عن هذا التحالف الوثيق، وتنفيه إيران، إذ تعودنا أن يحصل العكس، ونتمنى أن تكون إدارة أوباما قد أزالت كل الغشاوات عن أعين الذين ينتظرون ضرب إيران من قبل أمريكا، إذ كيف تضربها، وهي التي سلمتها العراق بنفس راضية، لا عن طريق الخطأ، كما كان يسوق أنصاف خبراء السياسة، ونتمنى أن لا نكون مقبلين على معركة أمريكية - إيرانية على سنة العراق، وهي الحرب التي ستشعر عشائر العراق السنية بخيانة أمريكا لها، إذ إن هذه العشائر هي التي ساعدت أمريكا في حربها على القاعدة في العراق، أو بالأصح هي التي حاربت القاعدة نيابة عن أمريكا، وختاما سنأمل، حتى اللحظة الأخيرة، أن تراجع أمريكا نفسها، إذ إنها قادرة على تفادي هذه الفتنة الكبرى عن طريق عزل نوري المالكي، فهل يثبت أوباما، في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، أنه حقاً رجل الدبلوماسية الناعمة، أم تشعل إدارته حريق حرب طائفية، ستكون عواقبها وخيمة على المنطقة، وعلى أمريكا ذاتها؟!.