كل منَّا يتمنى أن ينجح، فالطالب يتمنى أن ينجح ويتفوق في مدرسته، والموظف يتمنى أن ينجح ويتميز في عمله، والزوج والزوجة يتمنيان أن ينجحا في علاقتهما الزوجية، والتاجر يتمنى أن ينجح في تجارته وهكذا يعد النجاح أمنية يتمناها الجميع ويعمل من أجلها كل إنسان.
والنجاح لا يأتي من فراغ بل لا بد لمن يريد النجاح أن يكد ويتعب، وأن يعمل بجد واجتهاد، فلن تجد في يوم ما طالباً متفوقاً وهو لا يذاكر ولن تجد تاجراً رابحاً وهو لا يروج لتجارته ويعمل من أجلها، ولن تجد موظفاً متميزاً وهو غير منتظم في عمله فالنجاح يحتاج إلى صبر وجد، وكلما تفوق إنسان في مجال ما وحقق أهدافه المرحلية فإنه إما أن يصبح عرضة لأن يصاب ببعض الأمراض النفسية أو أن يكون مستهدفاً من قبل بعض الحساد والحاقدين الذين لا يشعرون بارتياح إذا مارأوا أمامهم ناجحين وينزعجون أشد الانزعاج إذا رأوا شخص ما يتطور ويتقدم في حياته العملية فتملأ قلوبهم الغيرة فيكيدون له ويحرصون على إيذائه وتشويه سمعته وإسقاطه ولذلك لا بد لكل ناجح أن يحذر من هؤلاء وفي نفس الوقت ألا يكترث لما يقولون ولا ينزعج من دعواهم أو غيبتهم ونميمتهم فهذا الانزعاج هو مبتغاهم وهو أول ما يمكن أن يسهم في تراجع الناجحين، فلا بد من إهمال أمثال هؤلاء وعدم الاستماع لهم ولأقوالهم فالشجرة المثمرة لا بد من أن ترمى بالحجارة ومن يكن في المقدمة لا بد وأن يسمع بعض الكلمات ممن خلفه.
وفي اعتقادي أن ما هو أخطر على الناجحين من وجود الحاسدين هو إصابتهم بالأمراض النفسية التي في مقدمتها (الغرور) والذي يطلق عليه البعض وصف (مقبرة الناجحين )، فهو مرض خطير يصيب الإنسان الجاهل الذي لا يعرف أن يميز بين الثقة بالنفس وبين الكبرياء، فيرى الإنسان بأن ما حققه من إنجاز سواء كان ذلك الإنجاز صغيراً أو كبيراً قد جعله محور كل شيء من حوله بل جعله أساس كل شيء وهكذا يبدأ ذلك الشخص في أن يتخيل بأنه الأفضل والأذكى والأجمل وأنه على علم ودراية بكل شيء وأنه يجب أن يحظى بالاهتمام الكامل والتقدير من الجميع صغيراً كان أو كبيراً، بل يشعر بأن على الجميع أن يتقبلوه ولو أخطأ كيف لا وهو الناجح والبطل الذي حقق إنجازات عظيمة، وقد يزيد من هذا المرض اهتمام وسائل الإعلام به وبتحرّكاته حتى يبدو ذلك الناجح وكأنه مبدع أو عبقري أو تحفة غالية لا تتكرر على مر التاريخ.
في حالة إصابة الإنسان الناجح بهذا المرض فهي بداية النهاية بالنسبة له، فأمثال هؤلاء تكثر أخطاؤهم عند إصابتهم بالغرور وتتفاقم ويبدأ الناس يفقدون الثقة فيهم ثم ينتهوا كما بدأوا وينساهم الناس وهذا ما يحدث في كثير من المجالات ولا يقتصر على الأفراد فقط، بل أحياناً على المجموعات مثل الأندية الرياضية أو المنتخبات أو حتى الشركات التجارية.
ويسهم المجتمع وأفراده أحياناً في هذا الأمر فيجعل من ذلك الناجح أسطورة فيرفع من ثمنه المادي بشكل خيالي ويوفر له جميع المتطلبات الأساسية والكمالية ويقتل في داخله روح الطموح والتحدي من خلال توفير كافة طلباته وبالحد الأقصى الذي يريد حتى لا يصبح لدى ذلك الفرد أي هدف مستقبلي وبالتالي يتوقف عند تلك المرحلة ويقضي على نفسه.
في تاريخنا العديد من الأمثلة الناجحة التي كان معظم الناس يعرفها وكانت وسائل الإعلام تردد اسمها ليل نهار ثم أصابها هذا المرض وانتكست فأصبحت اليوم ماضياً لا يكاد يذكره أحد أو يذكر اسمه، فداء الغرور داء خطير يجب أن نحذر منه وأن نحرص على ألا نقع في شباكه وأن نتحلى دائماً بالتواضع وأن يكون طموحنا وأملنا مستمراً مدى الحياة.