يبدو أن كأس العالم هذه المرة مختلفة تماماً عن سابقاتها.. فالفروقات بين الدول شبه تلاشت.. والفرق التي كان يطلق عليها صغاراً استأسدت.. والمنتخبات ذات الصيت هوت.. وبعضها بالكاد نجت.. لا أوراق فنية مسبقة تصدق.. ولا خبراء تحليل يستطيعون فك رموز مباراة قبل أن تنطلق.. كرة القدم أصبحت لا تدين إلا لمن يقدم لها مهر العمل.. فلم يعد الاسم لذاك المنتخب أو تلك الكوكبة من النجوم ذا أهمية.. بدليل سقوط إسبانيا الكارثي.. والخروج المذل لانجلترا.. وعلى النقيض من ذلك هناك منتخبات بالكاد كنّا نسمع اسمها ولربما لا نعرف حتى موقعها لكنها قدمت وجهاً جميلاً لكرتها.. فهذه مثلاً كوستاريكا تسقي الأرجواي وإيطاليا مر الهزيمة.. وتلك المكسيك تسكت البرازيل في عقر دارها بالتعادل.. بل وكانت هي الأقرب للانتصار.. وشاهدنا كيف تعملقت غانا أمام الماكينة الألمانية.. وحتى إيران كانت الغصة التي لم يبلعها ميسي ورفاقه حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة.
كم من الدروس حاضرة في المونديال.. وكم من المحاضرات تابعناها كروياً كان عنوانها: لا للمحال.. بالفعل ما أحوجنا لمعرفة كيف وصلت تلك الفرق والتي بعضها كنّا نجرعها مر الهزيمة عندما كنّا أبطالاً للقارة.. وآه من تلك العبارة.. فللأسف لازلنا ندندن على وتر نحن أبطال آسيا.. والفرق سبقتنا بأميال.. ولم نعد نسمع سوى صدى أصواتنا.. بعدما أصبح منتخبنا على هامش القارة بعد أن كان سيدها.. وأضحت فرقنا على رصيف البطولات بعد أن كانت هي عريس منصتها.. ويبدو أن البذخ المالي لعقود اللاعبين.. وضعف استراتيجيات العمل في الاتحاد.. وقصور النظرة عن المدى البعيد في التخطيط.. جعل حالنا هكذا.. فلاعبونا المتخمون بالملايين لم يعد لديهم دافع للتطور أو الاحتراف خارجياً، فالمال لديهم يصل بين أهلهم وأحبتهم وفي تمارين هي أشبه بالترفيه.. والاتحاد أصبح شحيحاً بالفكر الوثاب.. فبعدما كان هناك الأمير فيصل وبمعيته الدبل وناظر وابن ناصر وغيرهم ممن حملوا على عواتقهم رفعة منتخبنا.. أصبح الاتحاد بلا أشخاص من تلك العينة الفريدة.. ولذا لا عجب لو خلت القارة من بصمتنا.. وأصبح حضور ممثلينا بالكاد نسمع به ولم نرَ له أثراً.
كم نحتاج لمن يحمل لواء انتفاضة كروية شاملة.. تخلع من ردائها تركة الفشل التي لطختها الهزائم ومزقها الخروج المذل من كل محفل نشارك فيه.. كم من لجنة تحتاج لإصلاح.. وكم من شخص على كرسيه وهو ليس أهل له.. وكم من أنظمة أكل عليها الزمن ولازلنا نشرب فيها.. وكم من عقول أدمنت الفشل ولازالت في أماكنها.. نعم.. نحتاج لمؤتمر شامل لكل مسيري كرة القدم.. تطرح فيه كل الصعوبات على السطح وبمنتهى الشفافية.. ويفرد على مائدة الحوار كل مقترح يمكن أن يحمل جديداً ويقدم عملاً مفيداً.. فقد مللنا الاجتماعات الروتينية.. ولم نبصر فائدة من الأحاديث خلف الأبواب المغلقة.. فكل من في الرياضة له حق وعليه واجب.. له حق بمعرفة كل صغيرة وكبيرة في منظومة كرة القدم.. وعليه واجبات لعل أهمها احترام العاملين فيها وتقديم النصح والانتقاد.. والإشادة بكل عمل يقدم نتائج ملموسة وإيجابية.. أما إن بقينا هكذا.. فكأني أرَى كأس العالم بروسيا عام 2018م.. ونحن في المدرج ونتفرج.
من هنا وهناك
- في المباراة الافتتاحية لكأس العالم التي أقيمت في ساوباولو.. شاهدنا مع بدء المباراة جمال أرضية الملعب وعدم تأثرها من البروفات وحفل الافتتاح.. وبالمقابل كانت أرضية ملعب الجوهرة المشعة في نهائي كأس الملك في حال يرثى لها.. بل وتم إغلاق الإستاد فور نهاية المباراة للصيانة.. في حين واصل ملعب ساوباولو احتضان المباريات.
- بنزيما نجم ريال مدريد ومنتخب فرنسا يقول: إنه قبل كل مباراة بعشر دقائق يقرأ القرآن ليشعر بالهدوء والاطمئنان.. ولاعبونا للأسف قبل أي مباراة نشاهدهم وهم ينزلون من الحافلة وقد غزا الهيدفون آذانهم وأصبح أشبه بالتقليد لديهم.
- قبل لقاء الأرجنتين بإيران انتقد ميسي علانية مدربه بسبب طريقته الدفاعية في لقاء الافتتاح حسب كلامه.. العجيب أن ردة فعل المدرب لم تكن انفعالية ولم يتعامل مع الأمر بعصبية فقال إنه يحترم رأي اللاعب لكن بالأخير هو المدرب وهو من يقرر.. صورة مع التحية لمن يعلق المشانق أو يبحث عن فتات خلاف في فريق ليجعله مادة للإثارة في برنامجه أو صحيفته أو حتى بحسابه الإلكتروني.
خاتمة:
لا شيء أجمل من الانتصار إلا التواضع عند تحقيقه.