بعد رحيلك الأخير، لم أتحرك من مكاني، ولم أحاول غلق الباب الذي تُرك يترصد ابتعادك.. أشجار اعتلت آثار أقدامك، وأبطلت باخضرارها كل لون لم تألفه..
وغيوم أمطرت غير التي ذكرتها الأساطير.. أراض ركعت تحت سلطان صمتي.. برمشة عين من جفني سقطت قطرات أحلامك.. دون موسيقى المطر.. وبحركة من سبابة يدي سقطت أغصانك المعتمة في فصل خامس لا مكان له في سنة البشر..
الموشور الذي ورثته قد أفلح في تحليل الضوء الصادر من شرارتك الأخيرة.. يُقال إنه أفلح.. لم ألحظه بداية على جدران الغرفة.. أحفادي الصغار لمحوه، ورسموه بأقلام كنت أجدها دون لون، لولا أنها غرست في دفاترهم، واستظلت تحتها حياتي الموشومة بألوانك المستعارة من انقراضك الحتمي..
ما كان أشقانا بألوان قوس قزح.. أكانت تلك هي كل ألوان الطيف؟
أكان ذلك كل الحب الذي عرفنا؟.. لفرط نشوتنا لم نجد غيرها ما يهلّل لأول قبلة.. لم ينطح أول عناق.. لم نرتعش إلا من برد اغتراب.. الباب ظل صالحاً للتحول إلى شظايا..، ملتصقاً بنقطة صغيرة انتهت عند التواء الطريق الى التفاتة.. أكانت تلك التفاتتك؟.. ربما من خلالها قد رأيت أن الدار مشروع التحاق بغيمة..
والصغار أحفادي لن يجدوا بؤساً في الانطلاق نحو النجوم.. وأنا تكفيني متعة اكتشاف ألوان جديدة.. لذا لم أتحرك من مكاني، ولم أحاول غلق الباب الذي تُرك يترصد ابتعادك..