** الأصالةُ والنيابةُ مفهومان إداريان أو هما مصطلحان ينظمان مسؤوليةً ويحددان مسؤولين، وليس الوكيلُ كالأصيل،كما أن مطلقَ الصلاحيةِ غيرُ مقيدِها،ويعمل الفاعلُ ولا يُهمل لكن نائبَه لا يقوم مقامه إلا إذا غاب وعُدلَّ البناءُ التركيبيُّ كي ينتقلَ من حالِ المفعوليةِ إلى الفاعلية أو من وضع التلقي إلى شكلانيةِ الترقي، وشهدنا زمنًا صحفيًّا كنا ننوبُ عن بعضنا لمامًا؛ فإذا غاب صاحب الزاوية الثابتةِ كُلف آخرُ بتسويدها عنه، وربما اعتمرَ البديلُ موقف الأصيل فحاول ألا يشطَّ بعيدًا عن نهج صاحبه، وعُرف عن الوزير الراحل الدكتور عبدالعزيز الخويطر كونُه الأكثرَ استئثارًا بوزارات النيابةِ لاتفاقِ رؤيته مع ما يراه المكلفون بها وتبريرِه أن المؤقتَ لا يستطيعُ التصرفَ كما المؤبد فليس العابرُ كالمقيم، وربما كان المقابلُ لأبي محمد في هذا الشأن الدكتور غازي القصيبي «رحمهما الله» حيث يَعدُّ نفسَه أصيلًا يُبدل ويُعدل فلم يحرص الوزراء على تنويبِه.
** تبقى شؤونُ الإدارةِ محكومةً وقضايا النحوِ محكمةً لكن العقلَ لا يرتضي الإنابةَ ولا النيابة فلا أحدَ يتنازلُ عن ذهنه كي يحتلَّه آخرُ للتفكير عنه أو اتخاذِ قرارٍ يخصّه؛ فالذهنُ لا يقبلُ البيعَ ولا التأجيرَ ومن يرتضي ذلك يُنهي استقلاليتَه ويسلمُ حريتَه ويستحيل تابعًا مستلبا.
** صارت مفردة «تابع» رديفًا لمفردة» متابع»، وعلى الرغم من الفارق بين معنييهما فقد تماثلتا في إعلامنا الجديد وبات الأكثرون يعونهما انطلاقًا من مفاهيم «التبعية» لا «المتابعة» حيث تفترضُ الثقافة العربية أن المتابعَ تابع، ولا فرق حينها إن قلنا:اتبعني أو تابعني؛ ففيهما صيغة الأمر والفوقية وادعاءُ الأفضلية وصرنا بين شيخٍ ومريد، وحين لا تجد نفسك بينهما أو أحدَهما فإنك ستفيءُ إلى الظلِّ مكتفيًا بالفُرجةِ إن أضناك الفضولُ أو الهجرِ إن وعيت وقتَك وقيمتَك ونأيت بمدركاتك عن عبثية الأصالة والنيابة أو التابع والمتبوع.
**وعلى الرغم من انعتاقنا من الفكر الصوفيِّ المتشدد الذي يضع الشيخ في مرتبةٍ قدسيةٍ توجب الانقياد الأعمى له، وتحررِنا من الكهنوتية المقيتة التي تضع للدين رجالًا ذوي مكانةٍ منزهةٍ فلا يُسألون عما يفعلون فإن فينا من يجلب القيدَ لنفسه فيؤْمنَ ويؤَمِّنَ دون تفكير مقتنعًا -وإن لم يعرف- برؤية الشيخ عبدالقادر الجيلاني حول عدم فلاحِ من لم يعتقد في شيخه الكمال.
** أذهانُنا هي شخصياتُنا الظاهرةُ والمستترة والتنازلُ عنها أو التفريطُ بها انكسارٌ أمام الذات والآخر ستجعل المصابَ بها دميةً متحركةً تُدار يمينًا ويسارًا فتعجز عن المواجهةِ القولية والفعلية وربما القلبية وتستسلمُ لرأي الغالبِ وتصطفُّ في سرب المغلوبين وتبدو مهزوزةَ الثقة خائرةَ القوةِ عاجزةً عن رسم الفعل وأداء دور الفاعل.
** لم يعد الجنسُ مؤشرَ ضعفٍ؛ فالمرأة كما الرجل طفلان لم ينضجا حين تحكمهما مقولاتُ ونقولاتُ شيوخهم وشيخاتهم وبذا يميز البالغُ من القاصر ولا عبرة بعُمرٍ أو شكلٍ أو ترسم.
** العقلُ لا يُلغى.