في ولاية أوكلاهوما الأمريكية نُفذ حكم الإعدام على السجين «كلايتون لوكيت» بطريقة غير متقنه - كما يقول الخبر الذي نُشر في مطلع مايو من هذا العام وتناقلته الصحف العالمية ومواقع الأخبار الدولية - وقد توالت ردود الأفعال الداخلية والخارجية على هذا الفعل الذي اعتبره - «ديفيد أوتري محامي لوكيت» خارقاً للدستور الأمريكي الذي يحظر العقوبات الوحشية وغير المألوفة - حتى وصل الأمر إلى أن يعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عزمه مطالبة المدعي العام «إريك هولدر» بالتحقيق في المشكلات المتعلقة بتنفيذ أحكام الإعدام، مشيراً بكل صراحة ووضوح بأن «لديه مشاعر متضاربه بشأن عقوبة الاعدام بشكل عام»!!؟.
هذه المشاعر المتضاربة ليست قصراً على الرئيس أوباما الذي صرح بها في هذه المناسبة التي هزت الشارع الأمريكي وتحدثت عنها الصحف العالمية بتوسع بعد أن حقن المسئولون في سجن أوكلاهوما العقار المميت في فخذ السجين «كلايتون لوكيت» فأصيب الوريد المحقون بانفجار مما تسبب بإصابة السجين بأزمة قلبية بعد عشر دقائق من وقف عملية الإعدام جراء ما حدث له، نقل على أثر هذا الخطأ غير المقصود للمستشفى ليتلقى العلاج حتى مات جراء الأزمة القلبية التي أوقفت الإعدام.. أقول ليست هذه المشاعر السلبية حكراً على شخصية الرئيس أوباما ، ولا هي جديدة في المجتمع الأمريكي فهي موجودة عند شريحة عريضة من الشعب الغربي بل وحتى لدى مفكرين وقادة وسياسيين في دول عديدة من عالم الشرق جراء اختلاف الثقافات وتباين المرجعيات.
لقد طرح هذا الموضوع الشائك كثيراً سواء على المستوى الحقوقي أو الفكري أو السياسي وغالباً ما يتهم الإسلام بالوحشية وعدم مرعاة حقوق الإنسان جراء حكمه على القاتل بالقتل والسارق بقطع اليد والزاني بالرجم و.. وعاد طرح هذا الموضوع القديم المتجدد في لقاء معالي وزير العدل السعودي الشيخ محمد عبد الكريم العيسى منتصف الأسبوع الماضي مع نخبة من القيادات الحقوقية والأكاديمية الأمريكية بواشنطن، ونظراً لأهمية الموضوع وحساسيته وجودة ما جاء على لسان صاحب المعالي وصعوبة اختصاره في مساحة هذه الزاوية محدودة الكلمات فإنني أحيل القارئ الكريم لما نشرته الصحف عن هذا اللقاء التاريخي الهام.
إن سبب ومنشأ التباين في الآراء - كما سبق - هو اختلاف «المرجعية» التي يبني عليها كل طرف وجهة نظره، ولذا جاء التأكيد من لدن معالي الوزير على أهمية مرجعيتنا الإسلامية في المملكة العربية السعودية التي تحترم المصلحة الفردية والجماعية على حد سواء، إلا أن هذه الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان نصت على أنه حين تتعارض المصلحتين تقدم الجماعية على الفردية خلاف الرأسمالية المبنثقة عن الفردانية الذاتية المعروفة والتي لا تعتد بمصلحة الجماعة التي هي محل تهمة في الذهنية الأمريكية/ الرأسمالية لارتبطها بالنظرية الماركسية المعروفة.
إن الإسلام جعل في القصاص حياة، والعرب من قبل كانت تقول «القتل أنفى للقتل» والدكتور العيسى أعاد الغربيين إلى صفحات تاريخهم هم في إعمال القتل برقاب المفسدين الذين لم يحترموا قواعد الحياة المجتمعية وخرجوا على القانون، وبين أثر تطبيق الحدود في المملكة العربية السعودية على استقرار وأمن وطمأنينة المواطن والقاطن والزائر.
في اعتقادي أن مثل هذه الزيارات التي تبرز جوهر الإسلام، ويطرح فيها المسئول الواعي ركائز بنائنا المجتمعي بعزة وثقة وذكاء وسعة أفق وقدرة على ضبط إيقاع التصور المطروح حسب ذهنية المستمع أمر مطلوب في هذا الوقت بالذات وثمارها وانعكاساتها وأثرها سيكون فاعلاً وقوياً سواء على المستوى الدفاعي الرسمي والشعبي أو على الرؤية الأكاديمية والقانونية ولدى المفكرين والكاتب وأصحاب الرأي الحر، وقد يصل الأمر إلى اختراق سياج صياغة القوانين والمواثيق الدولية التي يراد لها أن تتوافق وحياة الإنسان المعاصر في كل الدنيا وبجميع البلدان.
شكراً معالي الوزير وحفظ الله أمن هذه البلاد ويسر لها وأعان قضاتها وقياداتها على تطبيق شرع الله وتقبلوا صادق الود والسلام.