الحياة في مجموعها معادلات صعبة لا تختلف عما يُدرس لطلاب التخصصات العلمية الجامعية منها والثانوية، بل هي أشد وأنكى.. المطلوب من بني آدم كل على حدة إيجاد الجواب الصحيح والوصول إلى النتيجة الدقيقة بكل مهارة وبراعة وإتقان، وهذا هو الامتحان الرباني الخالد حتى قيام الساعة، وهذه هي الأمانة التي خصّنا الله بحملها بعد أن عُرضت على السموات والأرض فأبت حملها «وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا»..
على افتراض أن لديك مجهول والذي رمزت له في عنوان المقال بـ«م» ومطلوب منك إيجاد قيمته بضرب «س» المعلوم ب «ص» المعلوم كذلك، فماذا عساك واجداً؟!
يفترض منك أولاً أن تتأكد من حصولك على قيمة الطرفين التي هي في الرياضة المتقدّمة قد تتكون من مجهول ومجهولين وثلاثة وقد تزيد، ليس هذا فحسب، بل عليك أن ترتب الـ«س» و«ص» حسب القيمة بدأ من الأعلى وصولاً للأقل.
طبعاً «س» في معادلة الحياة، هو أنت بشحمك ولحمك، بروحك وعقلك، بكل أحاسيسك ومشاعرك، بعواطفك وتصرفاتك، بأفعالك وردود أفعالك، بماضيك وحاضرك ومستقبلك، بمعارفك وعلومك، بأخلاقك وسلوكك، بعقيدتك وعبادتك، بسيرتك وسريرتك.
أما «ص» الطرف الثاني الذي يُفترض فيه أن يكون معلوم القيمة عندك، فهو غيرك «الآخر» ممن تربطك به علاقة دائمة أو مؤقتة بدأ من الرب الخالق الرازق المحيي المميت الفاعل لما يريد، وانتهاء بالجماد والحيوان والنبات مروراً بالإنسان الحي منه والميت، بل وحتى من هم ما زالوا في الأصلاب نبياً كان أو رسولاً، أماً كانت أو أبا، أخاً أو أختاً، ولداً أو بنتاً، زوجاً أو قريباً، صديقاً أو زميلاً أو. .. ممن تراهم وتقابلهم في شارع الحياة وأنت قد لا تعرفهم ولا يعرفونك مسلمهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، صحيحهم ومريضهم، عاملهم ومديرهم.
هناك منا من يقفز على المجهول ليتوصل إلى قيمة «م» دون أن يعرف « س» و«ص» فهو يجهل نفسه، ولا يعرف كيف يوازن بين عقله وقلبه في مواقف الحياة المختلفة.
وهناك من قد يكون على دراية بذاته ومعرفة بطبيعته ونفسيته ولكن لا يعرف جميع مفردات «ص» وإن عرفها فهو لا يستطيع ترتيبها حسب قيمها، الأكبر أولاً وصولاً لأصغر المفردات قيمه، ولذلك مثلاً قد يقدم رضا الناس وطاعتهم على رضا خالقه ومولاه، وربما اجتهد وتعرّف ورتب ولكنه لم يجد الخيط الرفيع الذي يربط بين مفردات هذا المتغيّر في المعادلة بشكل دقيق.
) نريد من كل هذا استخراج قيمة «م» التي هي نتيجة «س» x «ص».
لو أخذنا عينه من بني آدم في أرض الله الواسعة لوجدنا أن نتائجهم لا تخرج عن خمسة احتمالات:
) هناك من جعل «س» هي المتغيّر الأساس و«ص» متغيّر تابع، والنتيجة الطبيعية أن هذا الصنف من البشر يتسم بالأنانية والفردانية ولا يعرف الحق إلا هو، وينطلق في سلوكه الحياتي ويبني علاقاته مع «ص» على مصالحه الشخصية، حتى صلته بالله- والعياذ بالله - مبنيه على تحقق المنفعة الخاصة به، وطبعاً هذا الصنف من الناس لم ولن يتوصل إلى النتيجة الصحيحة المتمثلة في معرفة قيمة «م».
) هناك من جعل «ص» هي الأساس، و«س» عليه التسليم والانقياد، وبالتالي فـ«م» لا تزال مجهولة، والنتيجة التي تواصل إليها - إن كان اجتهد واستخرج نتيجة محتملة - فهي غير صحيحة.
) هناك من جعل «ص» هي الرب فقط، فعبد الله عزَّ وجلَّ عبادة روحية خاطئة لم تُبن على علم وليس فيه فهم لطبيعة الاستخلاف الذي ندب الله له آدم وبنيه من بعده، ولذا فنتيجة الضرب خاطئة جزماً، وقيمة «م» ما زالت مجهولة.
) على العكس هناك من جعل «ص» كل شيء إلا الله، وتوصل إلى حاصل ضرب خاطئ.
) وهناك من عرف «س» و«ص» وأتم عملية الضرب بنجاح فتوصل لـ«م» بكل مهارة وحرفية وإبداع.
أنت أين تضع نفسك.
طبعاً أنت وحدك من يعرف حقيقة إجابتك لهذه المعادلة السهلة الصعبة والتي بها وعليها تقوم وتتحقق سعادة الدارين الدنيا والآخرة، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.