من هؤلاء الذين تكون محبوباتهم أجمل نساء الأرض وأحزانهم نسمات صبا تشجينا وتوقظ أجمل ذكرياتنا ؟!.. من هؤلاء الذين إذا مدحوا أقنعونا بأنّ الشمعة أهم وأجدر من الشمس لو لا تواضعها؟! وإن هجوا جعلونا نرمي بماء النهر كل أشيائنا القميئة؟!.. من هؤلاء الذين يغيبون فننشغل بترقبهم ومن حيث لا نعلم يجيئون ويذهبون بعد أن يتركوا لنا أثراً ننشغل به؟!.. هل الشعراء نوع مختلف من الجن ؟!!.. كتب التراث الأدبي توحي بمثل هذا ووادي عبقر اسم محفور في صفحات تلك الكتب . وتتوالى العناقيد ونستمر في استقراء بعضها.. لتعود الأسئلة هل الشعراء عباقرة ونوابغ ومبدعون استثنائيون ؟! في مجالات العلم والأدب هناك منهم أجدر من الشعراء بهذه الصفات المتفردة. هل الشعراء أفاكون ودجالون ومشعوذون أتقنوا ألاعيبهم وحيلهم بشكل بارع فألفناهم وأحببناهم وصدقناهم وتحت سطوتهم تشكّلنا كما يريدوننا؟!.. هل الشعراء بشر مثلنا جاءوا إلى الدنيا فوجدوا أنفسهم متورطين بما نحن مأخوذون به دون أن يكون لهم حول أو قوة؟!.
هل ندافع عنهم ونخاف عليهم مما لا يخافون علينا منه؟
ولكن من أين تأتي لنا هذه الرجفة اللذيذة والرعشة الغريبة إذا حضر الشعر هل هي منه أم منهم؟
السؤال الأهم والأخطر هل الشاعر بذاته يبدو جسراً ومعبراً تمر كل هذه الأشياء المحيّرة من خلاله.. أم أنها تتوالد بداخله وتتـنامى ثم تأتينا بكل هذه الدهشة؟.
ثم ما حجم سيطرة الشاعر على كل هذه العملية المعقدة داخله؟.
في الصفحة قبل الأخيرة في أحد الكتب المجنونة نقشت هذه العبارة : الشعر مارد أسطوري يبني مستعمراته الخرافية بطريقة سحرية داخل الشعراء!!.
من جانبي سأكون مجنونا واقف عند هذا الحد... كونوا أكثر جراءة وجنونـًا منى وواصلوا البحث عن هذا المارد. للبقية أقول : ماذا يجبركم على هذا الصدام العنيف بين أكفكم إذا حضر شاعر وما الذي استفزكم لتفعلوا ذلك؟.
من حق هؤلاء البقية ألا يجيبوا على هذا السؤال ، ومن حقهم أن يتهموا الشاعر.. الذي ليس من حقهم هو البحث عن المارد.. ولهم أن يصطادوا ما طاب لهم من الظباء وبعض الوحوش!!