إذا كان نصف مليون حساب سياسي مستأجر لإحداث الفوضى في المملكة رقم كبير لا يستطيع أن يقف وراءه إلا دول، فإن المتآمرين أيضا لم يكتفوا بإثارة الضغائن السياسية وبث الأحقاد بين مكونات المجتمع، بل رموا إلى تدمير بنيته العقدية وسلوكه الأخلاقي، بنشر المعرفات الداعية إلى الإلحاد والدعارة والشذوذ ، ولن يستطيع أن يدير تلك الجحافل الهائلة والمنظومات الطويلة من المعرفات الوهمية المنتحلة المكذوبة إلا دول تنفق بسخاء للوصول إلى الأهداف البعيدة القذرة، فقد صرح أحد المعنيين بالرصد الالكتروني لوسائط التواصل الاجتماعي الدكتور فايز الشهري في دراسة قدمها إلى مجلس الشورى، كونه عضوا في اللجنة الأمنية بالمجلس عن « وجود نحو 25 ألف حساب لبث الشذوذ الجنسي ودعارة الأطفال عبر « تويتر «، تستهدف السعوديين بشكل مباشر، إضافة إلى 4500 حساب تختص بنشر الإلحاد «.
وتسعى تلك المعرفات الموبوءة إلى التشكيك في الذات الإلهية والنبوة والتشريع وإثارة الشبه حول ما جرى من أحداث في التاريخ الإسلامي وتطلق تساؤلات ملتبسة حول القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والصحابة وأمهات المؤمنين، رغبة في زرع بذور الشك والريبة والقلق في نفوس الشباب ووضعهم في دائرة عدم الاطمئنان إلى عقيدتهم وقيمهم الأخلاقية ، ثم تهدف أيضا إلى تطبيع العلاقات الجنسية بين أفراد الأسرة الواحدة، وحتى ما لم يصل إليه الانحدار الغربي من بذاءة وسقوط وانهيار أرادوا إيصال المجتمع السعودي والعربي كله إلى هذا المستنقع من قذارة جنس المحارم والشذوذ والدعارة، وإيراد تلك الأمور وكأنها شيء طبعي مألوف ممارس لا أحد ينكره ، وكأنهم بإكثار المعرفات الموبوءة وتكرار تغريداتها وروابطها وصورها والأسماء المنتحلة يوهمون المطلع على تلك المعرفات بأن النسبة الكبرى من أبناء المجتمع متورطون في تلك الممارسات المشينة.
ونحن نعلم جميعا أن في كل مجتمع منذ أن خلق الله البشرية صالحين وطالحين ومستقيمين ومنحرفين وشرفاء وسفلة، فلن يتسنى لأي منا أن ينكر وجود المنحرف والشاذ والساقط من الجنسين، فلسنا ملائكة ولا قديسين، لكن ما ننكره وما يجب أن نقف أمامه بقوة وبحزم وبصلابة أن يترك المجال لمؤامرة سياسية كنصف مليون معرف ، أو عقدية أخلاقية كخمسة وعشرين ألف شاذ وداعر ، وأربعة آلاف وخمسمائة ملحد ، وتركها أو تجاهلها على أنها لن تؤثر أو تغير من تركيبة المجتمع دينيا أو سياسيا أو أخلاقيا شيئا !
إن ترك تلك المعرفات النصف مليون والخمسة والعشرين ألفا والأربعة آلاف وخمسمائة تعربد طليقة حرة في الهواء لتمارس التهييج والاحتقان الطائفي والقبلي وتثير الضغائن والفرقة بين القيادة والشعب وبين مكونات الشعب نفسه من تيارات وعلماء دين وطوائف ، وتجاهل ما تقود إليه معرفات الإلحاد المكلفة من تشكيك وبلبلة وانفلات وضياع نفسي وما تحدثه المعرفات المنحرفة المكلفة أيضا من تيسير وتسهيل للقوادة والدعارة والشذوذ وإضفاء سمات التطبيع على تلك الممارسات الوضيعة، كل ذلك إن ترك دون اتخاذ مواقف عملية وتشكيل جبهات صد ومقاومة واستخدام كفاءة التقنية الفنية لتدمير تلك المعرفات واختراقها وكشف المتسترين خلفها، فإن النتيجة المنتظرة على مدى السنين القادمة ستكون : ضعفا وتوترا في اللحمة الوطنية ، وضعفا إن لم يكن تهتكا في أخلاق الناشئة والنابتة من أبناء الجيل الجديد.
ويكمن الحل في اتخاذ موقف عملي حازم وصارم ومدعوم ، يديره أكفاء مخلصون لوطنهم ولدينهم ، مهمتهم محاربة أدواء وعلل وأمراض وسائط الاتصال من مواقع إرهابية وإباحية وتحريضية وكشف من يقف وراء آلاف المعرفات باختراقها عن طريق تفعيل التقنية أو استقطاب الموهوبين من الهكرز وتدمير تلك المعرفات والصفحات سواء على تويتر أو الفيس بوك أو المواقع الإباحية المتخصصة ، وستؤدي حملة الاختراق الوطني والأخلاقي المنظمة والمدعومة إلى تقليص أعداد معرفات الرذيلة وتدمير بنية الوطن.
ولن يستطيع النهوض بمهمة نبيلة كهذه سوى وزارة الداخلية بكفاءتها العالية ووعيها الشامل بكل ما يحاك في الظلام ضد هذا الوطن وقيادته وأخلاقه وأجياله وبنيته الأسرية والعائلية.