تتوزع مرافق الحياة وشؤونها على مؤسسات، وهيئات، ودوائر تتعاون فيما بينها، لإظهار الحياة الاجتماعية بشكل ما، بحيث يأخذ كل مجتمع صفات معينة، وأن الأدوار التي تقوم بها تلك الدوائر تختلف من مكان لآخر، ومن زمان لآخر، ولكن يبقى يجمعها أسس معينة سارت وتسير عليها، وذلك بحكم طبيعتها، ومتطلباتها، وطريقة تجاوبها مع دورها في البنيان الاجتماعي.
لقد كان لكل مؤسسة بشكل عام مدير، وهو بمثابة الرأس المدبر للمؤسسة، وعلى نجاحه تتوقف أموركثيرة، ولذلك تبارت المؤسسات لاختيار الأفضل والأنسب، ووضعت شروطاً ومواصفات لذلك، لأن نجاح المدير ينعكس على نجاح المؤسسة ككل، ويحقق لها طموحاتها، وبنفس الوقت ينعكس هذا الأمر وهذا النجاح على المدير بحد ذاته، فترتفع مكانته، وتسمو حالته، ويرتقي في سلالم الرقي والمجد - إن جاز التعبير.
وهذا المدير بدوره يحاول جاهداً - لإنجاح نفسه ومؤسسته - أن يأتي بأساليب ومبتكرات تعينه، كما أنه يستعين بكوادر وطواقم تفيده، وتقدم له النصح والمشورة، ولعل من بين أبرز تلك الكوادر وظيفة (مدير المكتب)، أو ما قد ينوب عنه أحياناً، وإن اختلفت التسميات فالنتيجة واحدة.
ولكل رب عمل شروطه وقناعاته حول مدير مكتبه وصفاته، وتزداد أهمية مدير المكتب بازدياد الموقع حساسية ودقة وأهمية، وكذلك تتعلق هذه الأهمية وهذا الدور بشخصية (المدير العام) بحد ذاته، وبطبيعة العاملين بها، وطبيعة عملها.
هناك بديهيات في عمل مدير المكتب، فمهمته بالتأكيد ليست تصفيف الأوراق، وتنفيذ الملفات، وتجميع الرسائل، وتوزيع الصادر والوارد، وكذلك أيضاً ليس دوره القيام بدور الحاجب، أو مقدم الشاي والقهوة، على الرغم من أنه قد يفعل ذلك، إن مهمته في الواقع وقبل كل شيء مهمة وظيفية خدمية ذات طابع اجتماعي، ولها علاقة واسعة مع البشر، وعلاقاتهم وتعاملاتهم ومواقفهم، إنها مهمة إنسانية يتوقف عليها الكثير من النفع البشري، وتحقيق الصالح العام، إنها سلوك - وليس أي سلوك - سلوك يتماشى مع أخلاقيات المجتمع، ومبادئه، وعاداته، وتقاليده، وكذلك يتماشى مع الوظيفة والموقع ذي العلاقة، إزاء ذلك كما هو مخطئ مدير المكتب - ومديره العام - أيضاً عندما يتصرف بطريقة تحقيق المصالح الشخصية، والقيام بالتصرفات الانتهازية، والتطلع للمنافع الخاصة دون النظر للصالح العام، ومن هنا تأتي الوساطات غير المشروعة, وكلها عمليات تهديم للبنيان الاجتماعي وللحياة الفطرية السليمة وبنفس الوقت تعتبر عمليات حاملة للظلم البشري بأبشع صوره، وخصوصاً عندما تبعد صاحب الحق عن حقه، وتعطي الحق لمن لا يستحقه، وهذه غاية السوء في السلوك الاجتماعي!!
كم من مدير مكتب تجاهل الضعفاء، والمساكين، والفقراء، وسد الباب بوجههم دون وجه حق، وكم واحد منهم قام ليستقبل صاحب جاه ومنصب، ليحقق من وراء ذلك منفعة خاصة.
إن من أسوأ الأمور أن يحجب مدير المكتب الحقائق عن المسؤول، والأسوأ أن يزيفها ويقلبها ويشوشها، وبالتالي تأتي قرارات المدير العام ظالمة وطائشة وغير صائبة، ويكون السبب مدير المكتب..!
أيضاً كم شخص منع من مقابلة المدير العام ظلماً, وذلك بسبب كذب وادعاءات مدير المكتب.. !!
إننا - والحمد لله - في مجتمع مسلم طيب عريق، وأخلاقنا هي أخلاق الإسلام ومبادئنا هي مبادئه، وغايتنا إرضاء الله عزوجل، ولذلك نجد في كل هذا حصناً منيعاً لنا في كل المواقع، وإننا لنأمل أن يكون أي مدير مكتب في بلادنا على الخلق الإسلامي النبيل، ولا نريد أكثر من هذا.. والله المستعان.
* * * * *
من روائع د. غازي القصيبي - رحمه الله -:
قم للمدير ووِفّه التبجيلا
كاد المدير أن يكون الغولا
أرأيت أفظع أو أشد من الذي
«لطع» المراجع حين جاء طويلا
عجباً له لا تنتهي كذباتُه
كم يحسن التبريرَ والتأويلا
قال الوزير بلجنة «فتسهلوا»
يا ربعنا لا تشغلوا المشغولا
من «لجنة» «لزيارة» «لصخونة»
أعذاره تدعُ السليمَ عليلا
وإذا أتته معاملاتٌ صفَّها
في خانتين.. بدْرجهِ مقفولا
فإذا رأى صفو الوزير معكراً
عرض التي يرجو لها التعطيلا
وإذا رأى أن المزاج مهيأ
عرض التي «يبغي» لها التعجيلا
ويصيح «قد أمر الوزير فبادروا»
من لم ينفذْ يصبحُ المفصولا
ويقول «قد قال الوزير لكم كذا»
واللهُ ربي عالمٌ ما قيلا
قُم للمدير ووِفّه التبجيلا
فلقد غدا هذا المدير وكيلا!