القاضي الممسوس!!

يطلق أهل نجد على استفحال حالة العناد والجدال والمراوغة بين شخصين قولهم: (مثل الجني والقراي)! والمقصود به الراقي من الرُقية وليس الرقي والسمو! فهم بزعمهم كلما حضر الراقي يهرب الجني ويصحو الممسوس! وعندما ينصرف يعود الجني فيسكن الجسد مرة أخرى!!

ويعيد الرقاة سبب سكون الجن جسد الإنسان لأنه خالي الوفاض من التدين ومداومة قراءة القرآن، ويرون أن الجن غالباً تسكن البيوت التي تنطلق فيها المعازف والأغاني وتحوي الصور والمجسمات، لذا ينصح الرقاة بفتح آلة التسجيل على سورة البقرة وآيات الرقية والتخلص من الصور لتهرب الشياطين.

ولعلكم قرأتم عن قضية أحد قضاة المدينة المنورة الذي استولى على المليارات قيمة عقارات وأراض بالتعاون مع متهمين آخرين بينهم موظفون في ذات المحكمة، مما استدعى تحويله إلى هيئة الرقابة والتحقيق التي وجهت له إحدى عشرة تهمة أخرى بالرشوة والتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي، فادعى القاضي المتهم أن الجن قد تلبسه وأجبره على القيام بتلك الأعمال السيئة بينما هو بالأصل رجل صالح ونزيه! ولأن النظام ينص على أن القضاة لا بد أن يكونوا من خريجي الشريعة فهم حينئذ يصنفون من العلماء الذين يُزْعَمُ أن لحومهم مسمومة، وهي مقولة لابن عساكر وليست حديثاً نبوياً! ولكنها تستخدم كتهديد عند توجيه النقد لعلماء الدين وخريجي الشريعة، لذا تجد أن الناس يبتعدون عن التعليق على تلك الحوادث ويتجنبون الخوض فيها، وكل يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عيه وسلم! ولو كان القاضي خريج كلية القانون لكان الحديث عنه ومناقشة قضيته مباحاً، بل ولطالب الناس بالقصاص منه وهذا الأمر خطير جداً!

ففي زمن الخلافة الراشدة أوقع الفاروق عمر رضي الله عنه عقوبة الجلد على ثلاثة من الصحابة وتحدّث الناس بقضيتهم ولم تكن آنذاك مقولة (اللحوم المسمومة) متداولة!!

وطالما كان القاضي شيخاً من خريجي كلية الشريعة فهو - بالتأكيد - حافظ للقرآن أو أجزاء منه، فكيف يتلبسه الجن ويتصرف به ويرغمه على القيام بالسرقة والرشوة؟! يبدو أن هذا الجني اختاره لمنصبه ومكانته! والغريب توكيله محامياً للترافع عنه وهو قاضٍ ضليع! إلا أن محاميه قد تركه أخيراً يَعْمَهُ في ورطته!

أوَلم يئن الأوان لتعيين قاضٍ قانوني بدون بشت ويعتمر عقالاً ويهذب لحيته؟!

ربما تنطلي علينا حكاية الجن والعفاريت!