عرف العرب شعراء وفلاسفة ومفكرين، وهم بالأصل يعملون بمهن مختلفة كالطب والتعليم والهندسة وغيرها. ولا أشك أن أحدا لم يستمتع بقصائد الطبيب الشاعر إبراهيم ناجي الجميلة! وبرغم أن الأطباء عادة ينشغلون في مهنتهم الشاقة ـ فلا أشق من الطبابة وما يترافق معها من دقة في التشخيص ومتابعة للمريض أثناء وبعد علاجه ـ إلا أن الشاعر أو الأديب منهم يعبر عما يختلج في نفسه من المشاعر عبر قصائد أو مقالات ثرية.
وجريدة الجزيرة تضم بين كتابها طبيبين هما د. جاسر الحربش طبيب الباطنة والجهاز الهضمي، ود. عبد العزيز السماري استشاري طب المخ والأعصاب ورئيس مركز معلومات الصرع ومدير برنامج الصرع الشامل في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وهو ماهر جدا في مهنته ويحمل على عاتقه هموم المصابين بالصرع، ويؤكد دوما أنه مرض عضوي يحتاج لعلاج دوائي أو جراحي، ويسعى لتبديد خرافة أن أسبابه تلبس الجن بالإنسان! ود. السماري على المستوى السلوكي هادئ الطباع دمث الخلق سلس العبارة.
وهو بالإضافة لذلك مفكر ومثقف وكاتب صحفي يكتب بالشأن العام والعالمي في زاويته (بين الكلمات) ولديه رؤية ثاقبة للمستقبل ونظرة متوازنة للحاضر، ويصر على أن الحضارة هي النهج الأمثل لعقل واعٍ وأعصاب هادئة، والبيئة القاسية والتفكير الضال يجعلان من الرأس مستودعاً لقنابل موقوتة، كما يرى أن أشد ما يثير أعصاب معظم الشعب السعودي نقد الفكر الديني وكشف تناقضه، فالمواطن مَهْما ظهر عليه التسامح بأقواله وأفعاله، يخبئ داخله متديناً صغيرا يعود إليه كل ليلة ليطمئن.
بينما تسكن د. جاسر روح الدعابة والمشاكسة الجميلة والرقي في التعامل، والفلسفة المنطقية للأمور، برغم أنه يحمل في داخله ثورة بركانية ضد الجهل والرجعية، وقد تعامل بجرأة مع أمراض التخلف الحضاري التي يرى أنها السبب الحقيقي فيما يعانيه المجتمع من إحباط وازدواجية في الشخصية وتنازل عن الحقوق الأساسية للإنسان. وخاض الحربش معارك احتجاجية ضد بعض الأفكار الرجعية التي تشدنا للوراء، وقد ناله الأذى في سبيل ذلك، وبرغم هذا فقد استمر بتشخيص الأمراض الاجتماعية، وهو يؤكد دوما أن باطنية أغلب الشعب السعودي مترهلة ومتدلية مثل إسفنجة مليئة بالدهون والنشويات!! ولكنه متفائل بثقافة الجيل القادم باكتسابه زخماً مشجعاً على الرغم من النكسات والمحاربة؛ إلا أن المائدة الثقافية مليئة بما لذّ وطاب، فلم تعد هناك حاجة إلى فواتح شهية!
إن وجود أطباء ومفكرين بين صفوف المثقفين الكتاب وأصحاب الرأي يضيف بُعدا وثراء معرفيا للمجتمع وثقلا للصحيفة، فهم يستخدمون أدوات التشخيص التي يمارسونها في مهنتهم النبيلة، فيجد القارئ يوميا مادة غنية بالتنوع الفكري والنقاش المثمر والحوار البناء.