في سنة واحدة رصدت هيئة الرقابة والتحقيق تأخر أكثر من (127) مشروعا لدى (14) وزارة وجهة حكومية، وهي ما تم تمويله من فائض الميزانية حيث رصدت الهيئة فقط فائض الميزانية وليس جميع المشروعات التي اعتمدت ضمن الميزانية السنوية، التي تم توقيع عقودها ومازالت على ورق أو تم تنفيذ أساساتها وبعض هياكل المبنى.
للتأكد من واقع التعثر لا يحتاج منا بحث ولا عناء فمن أراد التحقق يفتح باب بيته ليرى بأم عينه مشروعات متعثرة ومن سنوات: تعليمية (مدارس)، صحية (مستشفيات)، بلدية، طرق، كليات، إسكان، صرف صحي، شبكات مياه، أي لا حاجة للبحث والإطالة بالسؤال المشروعات المتعثرة شاخصة للعيان وشيخ المتعثرين مبنى وزارة التربية والتعليم على طريق الملك عبدالله كلف أكثر من مليار، بدأ العمل به عام 1416 هـ وتعاقب عليه (4) وزراء والآن يدخل عامة العشرين لم ينجز، بنيت خلالها أبراج ومجمعات إسكان بل مدن وهو مازال يستنزف الأموال والوقت دون مبرر، كما أن آخرها المشروع الصيني لبناء (200) مدرسة وهي بحكم المسكوت عنه.
أمامنا حقيقة صارخة مشروعات متعثرة أصبحت تجارة وأسلوب عمل تستنفع منه الشركات الكبرى ويستفيد منه مقاول الباطن، فهي تجارة لها ناسها وشخصياتها، تجارة مقصودة لعدم وجود الرقابة والمتابعة، وأيضا للاستفادة من ثغرات اللوائح والأنظمة البيروقراطية التي تعين الشركات وتشجع المقاولين على الاستمرار في التعثر.لو تم مراجعة أسماء الشركات والمؤسسات المتعثرة لاكتشف أنها (لعبة) تجارية تلجأ إليها الشركات للحصول على أكبر عقود ودخل مالي مستمر في أقل أداء، أموال مالية تحصلوا عليها من العقود ينتفعون بها ويتنقلون مابين قطاعات الدولة العديدة مستغلين تعجل أجهزة الدولة في توقيع العقود وترسية المشروعات كما فصلته هيئة الرقابة والتحقيق لمدة عام مالي واحد 1433 _1434 هـ (127) مشروعا لدى (14) وزارة وقطاع حكومي مثل: وزارة الصحة (52) مشروعا، وزارة النقل (28) مشروعا، وزارة التربية (18) مشروعا، وزارة الشؤون البلدية القروية (14)، وزارة التجارة (5)، وزارة التعليم العالي (2)، وزارة الثقافة (1)، إضافة إلى تأخر وتعثر مشروعات تخص وزارة الإسكان، وزارة المياه، وزارة الشؤون الاجتماعية ، مؤسسة الخطوط الحديدية، مؤسسة التدريب التقني، مؤسسة المواني، هيئة الجبيل وينبع.
إذن معظم قطاع الخدمات لديه تعثر في المشروعات والنتيجة (حرم) المواطن من هذه المنشات كما أهدرت أموال الدولة، فقد حرم المواطن من: مدرسة، كلية، مستشفى، مياه، كهرباء، خدمات بلدية واجتماعية، إسكان، طرق برية وحديدية. وبالمقابل تمت مكافأة والصرف على شركات وأشخاص نافذين، أشخاص يعرفون كيف يصلون للمشاريع ويستحوذون عليها، يعرفون كيف يماطلون، وكيف يسلكون الطرق الملتوية بإطالة أمد التعثر دون دفع الغرامة، وكيف يعيشون أطول زمن على هامش أرباح وفوائد المتعثر فالفارق فيما بيننا نحن نسميها متعثرة، وتجار المماطلة يسمونها طفرة مشاريع وعوائد مالية.
خلاصة المشهد كالتالي: أموال تدخل في حسابات التجار المماطلين المسوفين، يقابله أموال مليونية ومليارات تعلنها وزارة المالية مكررة تصفها برفاهية المواطن، أما المواطن فلا يتحصل إلّا على الإعلان المكرر للرقم المالي، وأسوار من الصفيح والأخشاب ولوحة كتب عليها اسم الجهة واسم المشروع بلا تاريخ.