ناقش مجلس الشورى خلال الأيام الماضية فكرة إنشاء صناديق حكومية مُتعدِّدة لأغراض استثمارية أحدها تتركز فكرته باستثمار جزء من احتياطيات الدّولة المالية بنسبة قدرت عند 30 بالمئة يهدف لأن يكون بمثابة صندوق للأجيال يحقِّق عوائد استثمارية أعلى من طريقة استثمار الفوائض الحالية التي تديرها مؤسسة النقد والبالغة قرابة 2.8 تريليون ريال أما الصناديق الأخرى فهي كما يبدو خطط إنقاذ مبكر وعددها اثنان مخصصتان للمؤسسة العامَّة للتقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعيَّة وأطلق عليهما صفة احتياطية بحيث تستثمر أموال تقدم من الدَّوْلة لدعم برامج المؤسستين بتغطية التزاماتهما المستقبلية بعد عدَّة سنوات لأنهما يتوقعان أن يقعا بعجز يقصد به عدم قدرتهما على تغطية رواتب المتقاعدين وحتى لا تكون هذه الصناديق أشبه بالهروب من الواقع والقفز لحلول لن تكون مجدية أو منطقية لا بُدَّ من التفكير بصوت عالٍ حتى تتضح فائدتها على المجتمع والاقتصاد وتحديد جدواها المستقبلية. فالصندوق المقترح لاستثمار جزء من الفوائض الماليَّة تظهر فكرته كصندوق سيادي أسوة بما موجود ببعض الدول كالنرويج والكويت وغيرهما لكن الحقيقة هي أن استثمار الفوائض الماليَّة حاليًّا هو نموذج لصندوق سيادي لكنه يستثمر وفق رؤية خاصة باحتياجات المملكة ومتطلباتها لتعزيز قدرتها وملاءتها الماليَّة ولكن حتَّى يكون لدينا صندوق استثمار سيادي من نوع مختلف عن طريقة الاستثمار الحالية وكذلك عن الصناديق السيادية العالميَّة لا بُدَّ من فهم احتياجاتنا الاقتصاديَّة أولاً فالمملكة لديها إمكانات مختلفة عن باقي الدول سواء المساحة الكبيرة وحجم ثروات طبيعيَّة ضخمة وعدد سكان أكبر من أغلب الدول التي تمتلك صناديق سيادية تستثمر بأصول متنوعة لتحقيق دخل فقط فنحن بحاجة لاستثمار الأموال بما يعود علينا بأكثر من فائدة وأهم ما نحتاجه هو تملك حصص سيطرة بشركات نستطيع من خلالها نقل صناعات وتقنيات بقصد توطينها بطرق متنوعة ترفع من حجم الإنتاج المحلي وتفتح فرص عمل للشباب وليس فقط تملك حصص تحقق دخلاً إضافياً يغطي أيّ تراجع بعوائد النفط لأن ذلك لن يحل إلا جزءًا من مشكلة الاعتماد على النفط كمورد أساسي بإيرادات الدَّوْلة بينما ستبقى مشكلة تنويع الإنتاج وزيادة الصادرات وفتح فرص عمل مشكلة مزمنة وهي الأولى بوضع الحلول لها بأساليب مختلفة منها الاستثمار بأصول شركات عالميَّة يكون أحد أهم الأهداف هو نل خبرتها وتقنياتها للمملكة وليس بالضرورة أن نحدد مبالغ بعينها من حجم الاحتياطيات الحالية بقدر ما نحدد رأس مال كافٍ للدخول بهذا النوع من الاستثمار وسيساعد ذلك على تقوية وتعزيز دور المملكة بالمنافسة العالميَّة على جذب الاستثمارات والاستفادة من المدن الاقتصاديَّة والصناعيَّة التي يتم العمل على إنشائها حاليًّا بالإضافة لمكاسب عديدة على مختلف الأصعدة
أما ما يخص الصناديق الاحتياطية لمؤسستي التقاعد والتأمينات التي يقترح دعمها بمبالغ ستتخطى مائة مليار ريال حسب ما أعلن بمناقشات مجلس الشورى فلا بُدَّ من تحليل واقع المؤسستين من ناحية استثماراتهما الحالية وجدواها وكذلك بعض أنظمتهما وبمعنى أدق أن تصبحا كتابًا مفتوحًا أمام مجلس الشورى وكذلك الرأي العام لمعرفة جدوى مثل هذه الحلول التي طرحت، فالأموال المطلوبة لدعم الصندوقين هي أموال عامة والأرقام كبيرة جدًا واستثمارها بمشروعات منتجة من النظرة الأولية أكثر فائدة للاقتصاد من وضعها باستثمارات تقليدية لا تفتح فرصًا وظيفية ولا ترفع من طاقة الإنتاج المحلي، بل تحددت انعكاساتها على تغطية محتملة ومتوقعة لرواتب المتقاعدين مستقبلاً وليس قبل عشر سنوات من الآن فأول ما يطرح كتساؤل: هل العجز هو من إيرادات استثمار أموال المؤسستين أم يشمل حتَّى الاشتراكات التي تدفع أيّ أن العوائد على الاستثمار إضافة للاشتراكات لن تغطي رواتب المتقاعدين وباعتقادي أن ذلك غير صحيح لأن أعداد العاملين كبيرة قياسًا بالمتقاعدين وستبقى أكثر لأن نسبة الشباب بالمجتمع كبيرة جدًا فالحاجة الاقتصاديَّة هي لفتح فرص عمل لأن ذلك سيخدم المؤسستين معًا كما أن متوسط الأجور سواء بالقطاعين العام والخاص تتطلب تطويرًا يسهم برفعها لأن لذلك مردودًا كبيرًا على إيرادات المؤسستين وعند تفنيد كل المعطيات المرتبطة بوضع المؤسستين وما يؤثِّر بهما نجد أن القفز لإنشاء صناديق احتياطية ليس أول الحلول إذا كان يُعدُّ حلاً صحيًا لهما أساسًا.
وإذا كان الأمر مرتبطًا بتعزيز أصول المؤسستين وبما أن هناك فقرات بالنظام تغطي جزئية أيّ عجز بهما من خلال دعم من وزارة الماليَّة فالأولى ألا يضخ أيّ أموال حكومية من خلال هذه الصناديق فيما لو أقرّت بل يتم منحهما حصص بشركات تستثمر بها الدَّوْلة عبر صندوق الاستثمارات العامَّة بشروط وضوابط مُعيَّنة وبما يتناسب مع احتياجاتهما المستقبلية كمنحهما حصصًا في شركات مثل سابك والاتِّصالات والبنوك وغيرها وفق تقديرات تحدد بدقة ويمنع بيعها فقط ينتفعون من ربحها ويعاد استثمار الربح من جديد في حال عدم الحاجة لتلك العوائد لكن كل ذلك يتوقف على دراسة شاملة لأوضاع المؤسستين قبل اتخاذ أيّ قرار بخصوص دعمها مبكرًا.
الصناديق الاستثمارية الحكوميَّة إدارتها ومعرفة جدواها يتطلب تحليلاً عميقًا يأخذ بعدًا إستراتيجيًّا واختيار أفضل النماذج لتحقيق عوائد مُتعدِّدة الفوائد وفق احتياجات اقتصادنا ومجتمعنا عمومًا ويتطلب ذلك دراسات جدوى ضخمة ومتخصصة تعظم الفوائد وتقلل المخاطر ولا تكون فقط حلولاً لأيِّ مشكلة مستقبلية تأخذ فقط جانبًا واحدًا يظهر الآن وتهمل جوانب قد تكون أكثر فائدة وأهمية.