هل بإمكان أيّ شركة سعودية أن تنافس الشركات الريادية بالعالم في عالم الإلكترونيات والتكنولوجيا مثل آبل مصّنعة الآيفون والآيباد وسامسونج للإلكترونيات وسيمنز الألمانية للإلكترونيات وساب الألمانية للبرمجيات؟ وجميعنا نعلم أن هذه الشركات عملاقة في التكنولوجيا والإلكترونيات
وتعتمد كثيرًا على التقنيات العالية وانتشارها في التسويق في جميع دول العالم وكبار العملاء من شركات وحكومات، وأيْضًا لديها موظفون احترافيون يصل معدلهم إلى أكثر من 200 ألف موظف في كلِّ من الأربع شركات، بينما تصل مبيعاتهم إلى أكثر من نصف تريليون ريال لكلٍ من آبل وسامسونج للإلكترونيات.
الجواب بكلِّ تأكيد «لا»، فلن تستطيع أيّ شركة سعودية أن تنافس هذه الشركات، ولكن فيما لو تَمَّ تأسيس شركة حكومية مستقلة (شركة المملكة العربيَّة السعوديَّة) متجردة من نمط الأعمال الحكوميَّة المتبع، شركة لا تبحث عن الربحية فقط في السنوات الأولى، ولديها القدرة الماليَّة تستثمر وتقف وتنافس، ولكن بشرط أن تعمل بمعايير ريادة الأعمال والشفافية والنزاهة وفق إستراتيجيات ترسم من نتيجة بحوث ودراسات، فربما نستطيع أن ننافس هذه الشركات، فلدينا سابق خبرة فها نحن نرى شركة سابك تنافس شركات البتروكيماويات العالميَّة في التسويق في جميع بلدان العالم.
وفيما لو نظرنا إلى هذه الشركات الأربع نجد أن عوامل النجاح الأساسيَّة:
أولاً: الكوادر البشرية (تعليم وفكر وابتكار)
ثانياً: مراكز تطوير (بحوث وتجارب وجامعات مفعّلة)
ثالثاً: تصنيع وتسويق وانتشار (قوة مالية)
رابعاً: مزايا منتجات وتكلفة تنافسية (ريادة الأعمال أو business optimization)
كانت الفوائض الماليَّة للمملكة في الثلاث سنوات الماضية حوالي 884 مليار ريال، أيّ ما يعادل 236 مليار دولار، ولكي نعرف حجم هذه الأموال، فشركة بلاكبيري كانت تعرض للبيع بـ 4.7 مليار دولار، والقيمة السوقية لشركة ساب الألمانية للإلكترونيات 97 مليار دولار، والقيمة السوقية لسامسونج السوقية 186 مليار دولار، والقيمة السوقية لشركة سيمنز الألمانية للإلكترونيات 114 مليار دولار؟ فبهذه الأرقام نعمل أن الملاءة الماليَّة ليست صعبة على المملكة لتمنحها القدرة التنافسية في التصنيع والتسويق والانتشار.
أما بالنسبة للكوادر البشرية فلا يَرَى عاقل أن هناك عائق أكثر من تأهيل وتطوير الكوادر وخلق البيئة الجذابة للفكر والمؤسسات الحاضنة للابتكار. جامعاتنا مليئة بالكوادر (أساتذة وطلبة) ولكنها لم تُستغّل ولم تُعط الفرصة للمساهمة في بناء البلد. قد يجادل البعض عن تدنِّي مستوى التَّعليم، في التَّعليم العام (حوالي 5 ملايين طالب وطالبة) والتَّعليم العالي (حوالي مليون طالب وطالبة)، ويحتاج إلى تطوير بأنواعه ولا يختلف على ذلك اثنان، ولكن لنتذكَّر جميعًا أن تميز 10 في المئة من الطلبة قادر على أن ينافس موظفي شركة ساب (66 ألف موظف) وقادر أن يتفوق على إعداد شركة آبل (88 ألف موظف يصممون ويبرمجون آيفون وآيباد). فالفكرة في التطوير والنجاح في ريادة الأعمال. يجب أن نوّكّد أن تفعيل دول الجامعات ومخرجاتها ضروري للحاق بالركب.
لنتساءل قليلاً، ما هي صناعة الآيفون؟ الآيفون هو تليفون + كمبيوتر صغير + شبكة هوائية + برامج، فقط. فبإمكان أيّ جامعة أو مراكز تطوير يعمل بها أساتذة وباحثون بإمكانهم تحويل المنهجيات التي يعملون بها ويدّرسونها للطلبة لعشرات السنين، تحويلها إلى أجهزة حقيقية. فالصين وتايوان والهند تصنع أجهزة كمبيوتر وتليفونات وتطوّر برامج كثيرة وهذا ليس صعبًا.
السر هو في المنافسة أكثر من براءة الاختراع والحقوق الفكرية، يتوقف الجميع عند «كيف أنافس آبل؟» آبل صاحبة الملاءة الماليَّة والقوة التكنولوجية وخصوصًا أنها توسعت بالعالم وأصبح الغالبية العظمى من سكان العالم يعرفون ويستخدمون أجهزتهم، ولكن لنعلم أن نوكيا كانت متسيدة يومًا ما، وكذلك بلاكبيري، وأيْضًا سامسونج بدأت بعد آبل وبدأت على مبدأ التقليد، وأيْضًا رأينا شركة هواوي الصينة نافست وبقوة شركة سيسكو التي سبقتها بالانتشار في مجال شبكات المعلومات.
العوامل الأساسيَّة للنجاح في التنافس موجودة (أموال وكوادر وجامعات) ولكن تحتاج إلى تأهيل وتفعيل وتطوير; ولكن العامل الأكبر الغائب هو «إدارة التغيير» فالبلد بحاجة إلى صاحب النظرة الإستراتيجية وصاحب الفكر الاقتصادي التسويقي، قيادة ومهارات قياديّة فّذة.
من كان يحلم أن تكون شركات طيران الإمارات وقطر للطيران ومطاراتهما أن يصلوا إلى الريادة ويزاحمون الدول المتقدمة.
وعلى كلّ من يعول على القطاع الخاص، عليه أن يعلم أن القطاع الخاص ليس مسؤولاً عن بناء اقتصاد دولة، القطاع الخاص غير قادر على دخول منافسات شرسة تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، ولن تستطيع مقاومة العمل دون أرباح في السنوات الأولى مقابل إنفاقات ضخمة. هذه ليست دعوة للاشتراكية أو تأهيل القطاع الخاص، يمكن خصخصة الأعمال بعد نجاحها واعتمادها على نفسها.