أنفع الأدوية تأتي عادةً من الطبيعة. عالَم النباتات صيدلية بمعنى الكلمة، ملئ بمواد وقائية تحمي الإنسان وحتى الحيوان ، وإذا أصيب الإنسان بعارضٍ صحي كجرح أو مرض وجد في النبات الشفاء بإذن الله. مثلاً، بعض أكثر أدوية السرطان انتشاراً مأخوذة من مواد طبيعية مثل دواء تاكسول الذي صُنِع أصلاً من لحاء شجرة، حتى إن كتاباً علمياً باسم «عناصر مكافحة السرطان في المنتجات الطبيعية» قال: إن استخدام المنتجات الطبيعية كان ولا يزال أنجح وسيلة لاكتشاف الدواء.طبعاً لا شك أن هذه معلومة معروفة، فلطالما استخدم البشر الأشياء الطبيعية علاجاً، إلا أنها ليست كلها بديهية أو منطقية. فمثلاً من المنطقي أن نعرف أن الزنجبيل نافع ويهاجم بعض السرطانات مدافعاً عن الجسم، لكن في الكثير من الحالات يأتي الدواء من مصادر غريبة، فهل تتفق البديهة أن دواءً يأتي من سم؟ لا! لكن هذا ما يحصل، فنوع من الحلزون له لسعة سامة تقتل إنساناً كبيراً، لكن العلماء حوّلوا هذا السم إلى دواء مضاد للألم، بل إنه أقوى ألف مرة من المورفين ولا يسبب الإدمان مثله. المضادات الحيوية أتت أصلاً من الفطريات. بعض أفضل أدوية القلب وضغط الدم أتت من ثعبان يقطن جنوب أمريكا. بعض أدوية تخفيف الكولسترول أتت من نوع من العفن الطبيعي وبقيتها من فطريات.
غريب أليس كذلك؟ المحيط الطبي العلاجي مليء بهذه الغرائب، ولا يقتصر هذا على الأدوية فقط بل حتى العلاجات غير المقصودة، وخذ هذه القصة الحقيقية المذهلة، قصة جورج.
في عام 1983م، سئم جورج حياتَه. لقد اكتفى من معاناته، ووصل إلى آخر صَبْرِه، وقرر الانتحار. كان مصاباً بمرض عقلي - نفسي وهو نوع من الوسواس يجبر المُصاب أن يفعل شيئاً بشكلٍ هَوَسي، كأن يريد أن يهجع ليلاً فلا يستطيع أن ينام إلا إذا تأكد من إغلاق الباب، ولا يقدر أن يتأكد إلا إذا أقفل الباب ثم فتح القفل ثم أقفله، وقد تتكرر عملية إعادة الإغلاق 3 أو 10 مرات أو أكثر بكثير، وفي حالة جورج فقد كان عنده خوف مَرَضي (فوبيا) من الجراثيم، فكان يغسل يديه مئات المرات ويغتسل كثيراً كل يوم، وهذا الخوف أفسد عليه حياته، واضطر أن يترك الدراسة ويترك وظيفته الجزئية أيضاً. كلّم جورج والدته بالهاتف واشتكى لها - كالعادة - مما به وقال لها إنه يفضل الموت على هذه الحياة المُتْرَعَة بالمعاناة، ويبدو أنه أضجرها بالشكوى المستمرة التي لا تنتهي، فلما كلّمها هذه المرة نفد صبرها وصاحت به قائلة: جورج، إذا كانت حياتك بهذه البشاعة فاذهب ومُت! وهذا ما قرر جورج أن يفعله، فأغلق الشاب ذو التسعة عشر عاماً السماعة بهدوء ونزل إلى المستودع وأخرج مسدساً وصوبه إلى رأسه وأطلق النار! لكن حصل شيء مُدهش: لم يَمُت جورج. ليس هذا الشيء المُدهش، وإنما هو هذا: أصابت الرصاصة جزءاً من مخه، كان هو المسؤول عن مرضه العقلي ودُمِّر هذا الجزء، فلما زال من مخه شُفِي جورج من مرضه تماما! يا للعجب! والأدهى أنه عاد لدراسته وصار من الطلاب المتفوقين، وزار المستشفى العقلي الذي كان يعالجه من قبل ولاحظوا اختفاءً تاماً لمرضه السابق.
في مجال الدواء والعلاج.. أشياء لا تتوقعها البديهة.