من هذا الرجل؟ وما شأنُه؟ إنه صحفيٌّ نحرير من جمهورية مقدونيا التي تقع جنوب شرق أوروبا، عَمِلَ في مجال الإعلام 20 سنة، وتخصَّص في التحقيقات الصحفية عن الجرائم وبرع فيها، فكان يكتب عن ضحايا الإجرام والقتل، ينشر مقابلاته مع الشرطة والمعلومات التي يُدلون بها عن الجرائم والمشتبهين والضحايا ومواقع الجريمة، ويضع الصور والأخبار الصحفية في جريدة تَصدر في مدينة صغيرة.
حصلت عدة جرائم قتل في بعض السنين، فوجدت الشرطة جثة امرأة عام 2005م ولم يعرفوا الجاني، وكتب فلادو خبراً عن الجريمة وتفاصيلها، لكن لم يؤد هذا الخبر إلى القبض على أي مشبوه، وبعدها بسنتين ظهرت جثة عجوز، فتلقى فلادو الخبر باهتمام وكتب عنه كالعادة، وفي عام 2008م احتار الجميع من جديد لما وُجِدَت عجوزٌ أخرى قتيلة، والشرطة لم تعرف من يقتل هؤلاء النسوة ولم تشتبه في أحد، وحتى فلادو الصحفي المخضرم رغم كل ما نشره وتحقيقاته الصحفية إلا أنه لم يستطع أن يقود الشرطة ولا الناس إلى إيجاد أي مشبوه في هذه الجرائم الشنيعة، إلى أن فعل فلادو شيئاً جريئاً: في الجريمة الأخيرة قرر فلادو أن ينشر معلومات جديدة عن مقتل العجوز، فقال إن الجاني قيّدها بسلك هاتف، ونشرت صحيفته الخبر، ولما رأى رجال الشرطة هذا الخبر توقفوا مدهوشين! لماذا يا ترى؟
ليس فقط لأنّ المعلومة صحيحة، بل لأنّ أفراد الشرطة يعرفونها... ولكن لم ينشروها ولم يخبروا بها أحداً. طبعاً من المعروف أن الصحفيين يمكن أن تكون لهم مصادر سرية للمعلومات، مثل شخص قريب من مصدر المعلومة لكن لا يرغب أن تُكشف هويته، فلما اتجهت الشرطة إلى فلادو وسألوه من أين أتى بتلك المعلومة لم يقل شيئاً. بعد المزيد من التحقيق اصطحبوه معهم، ولما دققوا واستجوبوه قرروا شيئاً: أن يقارنوا حمضه النووي بحمض نووي وُجِد في مواقع الجريمة ولم يُعرَف صاحبه، ولما قورِنَت العينتان كانت المفاجأة الضخمة: فلادو هو القاتل! عاش فلادو حياةً صعبة من الناحية النفسية، فأمه توفّيت وكانت علاقته معها متوترة ومشحونة، وأبوه انتحر، وزوجته انفصلت عنه، وأكْمل فلادو الضلع الرابع والأخير في مربع المعاناة بأن قتل النسوة هؤلاء - وربما أكثر ممن لم يعرف قاتلهم -، وأُخِذ فلادو للسجن تمهيداً لمحاكمته، غير أنه انتحر في زنزانته، وأُغلق جزءٌ مُظلم في تاريخ تلك المدينة الصغيرة، عن المحقق الصحفي الذي يقتل الأبرياء ثم ينشر أخبارهم ... بكل براءة.