* * حملت لنا الأخبار رحيل أحد أبناء القريات المغفور له - بإذن الله - عبد الله بن عبد العزيز السديري.. عبد الله السديري بلا ألقاب.. تغيب نجومٌ ولكن لا يغيب إشراقها، وهو من هؤلاء الصفوة الذين تركوا بصمة وخلَّد أثراً.
* * غاب عن القريات سنين لكنها كانت حاضرة في قلبه ووجدانه.. زرع فيها عطاءات كثيرة وغرس فيها فسائل عديدة.. مثله لن يُنسى وإن غيّبه الموت.
* * في بواكير شبابه نهل من معين والده معالي الأمير عبد العزيز بن أحمد السديري - رحمه الله - مفتش الحدود الشمالية الغربية وأمير منطقة القريات، وبعد نقل والده وزيراً للزراعة ووفاته عُيّن مكان والده في منصبه بالقريات.. شمَّر عن سواعد العطاء والإبداع وقدم في زمنه ما يُعتبر عصيّاً، فافتتح أول مدرسة ابتدائية للبنات على نفقته واستقدم مدرِّسة من سوريا لتقوم بالمهمة التعليمية، ومن ثم قام بتأسيس أول جمعية تعاونية متعددة الأغراض بالقريات ليضع للقريات أوليات سُجلت في صحائف الإبداع.. وقاد العمل التعاوني بروح الشباب المتوثب وفكر الشيوخ النير.. وأعطى جل وقته وجهده لإنجاز هذا العمل غير المسبوق على المستوى الوطني، حتى صدر نظام التعاون لاحقاً.. وتبع ذلك اهتمامه بما خلف والده وهو صندوق البر والإحسان وهو مقام الجمعيات الخيرية حالياً، وأسدى الكثير والكثير للمعوزين والأرامل والأيتام.. وجيّر سيارته الخاصة لنقل المرضى من أبناء القريات إلى مستشفيات الأردن حتى أتم فكرته بإنشاء مستشفى الملك فيصل وبأسلوب غير مسبوق، حيث طلب مبلغاً مالياً لا يتجاوز (200) ألف ريال لترميم مستوصف القريات الحجري الذي ما زال مبناه قائماً، فوافق معالي وزير الصحة آنذاك د. يوسف الهاجري على إعطائه المبلغ، فقام بتكليف مقاول ببناء مستشفى الملك فيصل وبسعة 30 سريراً، وكان ذلك قبيل مغادرته للقريات فحضر وزير الصحة ورأى المفاجأة، وأسهم هذا المستشفى في الخدمة الصحية لأهالي القريات.. وأسهم في ترسيم الحدود مع الأردن الشقيق.. ومن ثم يُكلف وهو ما زال أميراً لمنطقة القريات رئيساً للجنة السلام اليمنية في العام 1384هـ، وعقب ذلك عُيّن وكيلاً لوزارة الداخلية لشؤون البلديات، ثم نائباً لوزير الداخلية للشؤون البلدية، فنائباً لوزير الشؤون البلدية والقروية لاحقاً.. ثم يُعيّن في السلك الدبلوماسي في سفارات عدة آخرها سفارتنا في عمان.. ليكون آخر لقاء لي مع معاليه.
* * يبقى عبد الله السديري الحاضر في قلوبنا والغائب عن أعيننا، ويبقى ابن القريات الذي وضع لها بصمة وحضوراً وخدمها ما أمكنه وقدم لها ما استطاع.
* * حين نبكي عبد الله السديري عليه رحمة الله فلا نبكيه لأنه أمير لمنطقتنا، ولا لأنه مسؤول في سلك وظائف الدولة أبداً، لكننا نبكيه أخاً وأباً ومعلماً وقنديلاً أضاء في سماء منطقتنا، ولم يعامل أياً من أبناء القريات إلا أنه واحد منا.. وقد قدم مع والده إلى القريات العام 1356هـ، وهو صغير السن وعاش في كنفنا سنين وتشرّب من تربة أرضنا ومائنا وشاركنا زادنا وزوادتنا.
* * غادرنا عبد الله السديري جسداً، وهو الآن في ذمة الله.. ترك دنيانا الفانية لكنه ترك أثراً.. وأبقى ذكريات جميلة لا تتقادم عليها الأيام ولن تمسحها من ذاكرتنا وقلوبنا صروف الأيام.. أسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يتقبله المولى وينزله المنزلة الحسنى، وأن يلهم أبناءه وأهله وشقيقاته الصبر والسلوان.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.