أصبح نظام الجرائم المعلوماتية هو النظام الوحيد الذي يستند عليه بعض الأكاديمين ممن ثبتت عليهم سرقات علمية في وضح النهار، وأصبحت المادة الثالثة الفقرة الخامسة سيفاً مسلطاً يوظفه هؤلاء الأشخاص ومحاموهم بهدف الضغط على الأشخاص أو الجهات التي كشفت الألاعيب والاحتيالات
التي قام بها بعض الأكاديميين بسرقات علمية لكتب أو بحوث أو جوانب علمية أخرى، تحت حجة التشهير.
وأصبحت القضية هي قضية تشهير بدل أن تكون قضية تحقيق في موضوع السرقات العلمية، ويخضع الأشخاص الذين تعرضوا لعمليات سرقات أو احتيال أو لأشخاص كشفوا عمليات السرقات ونشروها بشكل مباشر أو غير مباشر في وسائل الإعلام أو شبكات التواصل الاجتماعي إلى أشبه بعمليات ابتزاز واضحة تحت هذه المادة.
ونحن كمختصين نعلم أن روح النظام لا يقصد ألبتة الدفاع عن أشخاص أقدموا على سرقات علمية ترى بعين العامة فما بالكم بعين المختصين في مجال موضوع وميدان هذه السرقات، ولكن هذه المادة أعطت المشروعية لمقاضاة الأشخاص الذين تحدثوا أو كتبوا عن سرقات تمت على منتجاتهم الفكرية أو أشخاص يدافعون عن شرف الأمانة العلمية.
ونحن مع هذه المادة إذا كان التشهير مبني على أساس غير صحيح، أو تم ارتكاب أخطاء في حق المدعين، ولكن إذا كانت عمليات التشهير مبنية على أساس مادي وأدلة وشواهد واضحة للعيان، فإن هذا النظام لا يجب أن يستغله المحامون في الدفاع عن موكليهم بحجة التشهير فقط، بعيدا عن جوهر موضوع التشهير. وهذه المادة أصبحت ثغرة في النظام يتم استغلالها لتمرير سرقات علمية، وهي للأسف عديدة في المجتمع الأكاديمي، والتغطية عليها. وأصبح النظام نقطة ضغط على من وقعت عليهم السرقات، أو من كشف عن هذه السرقات.
كما أن هولاء المحاميين لم يتقدموا في قضايا التشهير على وزارة الثقافة والإعلام لأن التشهير وقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام، بل إنهم يسعون عمداً إلى تحويل القضية إلى أجهزة أمنية للبت في قضايا أكاديمية. ومن هنا فإننا نرى أهمية مناقشة تعديل النظام وفق الملاحظات التالية:
1- يتم إضافة كلمات توضيحية إلى كلمة التشهير، ليصبح مثلاً «التشهير غير المبني على أساس مادي وأدلة واضحة، ومثل هذا التعديل سواء في النظام أو في لائحة تنفيذية للنظام سيمنع المحاولات اليائسة التي يستند إليها المحامون في الدفاع عن سرقات موكليهم. لأن القضية تصبح التشهير فقط دون الرجوع إلى مضمون التشهير. وتصبح هذه الفقرة في المادة الثالثة حجة نظامية للدفاع عن مرتكبي السرقات العلمية في وضح النهار.
2- اللائحة التفسيرية أو التنفيذية للنظام تحتاج إلى الإحالة إلى جهات الاختصاص، وقضايا السرقات العلمية تكون أقرب لها وزارة الثقافة والإعلام من الشرطة أو هيئة الادعاء والتحقيق أو المحاكم.
3- أقترح هنا أن تُنشأ جهة أو إدارة أو وحدة جديدة في وزارة التعليم العالي للحكم على قضايا السرقات العلمية المحالة وفق نظام التشهير، وتصبح هذه الإدارة التي ينبغي أن تكون في وزارة التعليم العالي أو تقع تحت مظلتها هي الإدارة المعنية بمناقشة قضايا السرقات العلمية أو الشهادات الوهمية والحكم عليها.
4- في قضايا التشهير يجب التفريق بين التشهير المبني على غير أساس مادي أو علمي وبين التشهير المبني على أدلة صريحة وواضحة تكشف تجاوزات علمية صارخة في حق العلم والتخصص. فإننا ضد عمليات تشهير باطلة، ولكننا في نفس الوقت ضد أن تكون مثل هذه المادة غطاء يتم توظيفه للتستر على مرتكبي السرقات العلمية.
5- وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الجديدة هي أدوات في بناء المجتمع وإصلاحه، وللإعلام رسالته الهادفة إلى كشف التجاوزات في أي مجال وفق الشفافية التي يتجه إليها المجتمع، ولا شك أن الكشف عن السرقات العلمية هي هدف مشروع بل واجب ديني وأخلاقي. ومن هنا يجب أن ينظر إلى كشف السرقات العلمية في وسائل الإعلام وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي المتخصصة المعنية بمثل هذه الجوانب على أنها أدوات إيجابية تساعد المجتمع وتساعد مؤسسات التعليم العالي في تنقية العلوم والمعارف من تجاوزات وسرقات تهدد الأمانة والأخلاق العامة، ولا يجب أن ينحصر التفكير فيها على مجرد التشهير كقضية شكلية دون الالتفات إلى الجوهر.
وختاما، فإن روح نظام الجرائم المعلوماتية ومضمونة لا يجب أن يتم استغلاله في قضايا غير أخلاقية تمس الأمانة العلمية، وأصبح هذا النظام هو أداة تهديد لمجريات نشر وكشف سرقات علمية تهدد الأخلاق والأمانة العلمية. ونحن نعلم أن مشرعي النظام لم يكن في ذهنيتهم استغلال هذا النظام لصالح أهداف سوداوية تؤدي في النهاية إلى التستر على السرقات العلمية في الجامعات أو مؤسسات التعليم العالي.