هذا ليس مقالاً يعرض لمشكلة العمائر وسط الحارات، ولا هو في باب الاقتصاد، «فصل في سوق العقار»، ولكنه عنوان لمسرحية نشرت إعلاناتها في جنبات مدينة الملك سعود الجامعية وبقوة .
شخصياً أعجبني السعي الجاد لتعزيز دور المسرح الجامعي في رحاب هذه الجامعة العريقة، وأثمن لمعالي مدير الجامعة رعايته لهذه المسرحية كما هو صدر هذا الإعلان، فالتربويون والإصلاحيون يرون أنّ وسائل التثقيف والتوعية والتوجيه اليوم، ليست مقتصرة على المحاضرة والندوة والكتاب أو حتى البرامج الحوارية المختلفة، بل إنّ الراصدين للحراك الثقافي في المجتمع السعودي ومن خلال شواهد عديدة، يرجحون أنّ زمن المحاضرات الفردية التي راج سوقها فترة من التاريخ قد ولّى، وصار من الضروري الاستفادة من وسائل جديدة - قديمة ولعل من أبرزها المسرح، ولذا فإنّ رعاية مدير الجامعة لهذه الفاعلية الطلابية، هي لفتة تربوية جميلة قد تعيد مسرح جامعة الملك سعود كما كان قبل ثلاثين عاماً .. ولا أدري ما سبب عدم الاكتراث من قبل محاضننا التربوية والتعليمية بهذا المنشط الهام منذ ذلك العام وحتى تاريخه، مع قناعة شريحة عريضة من الأكاديميين والنفسانيين والمُصلحين بأهميته .
إنّ من الخطأ اعتقاد أنّ المسرح مجرّد وسيلة للتسلية والضحك، أو أنه سبيل للفساد والإفساد، وعنوان عريض وباب واسع لنشر الرذيلة والانحلال لا سمح الله، فهو في الأساس مجرّد وسيلة لإيصال الرسالة التي يراد إبلاغها لشريحة الطلاب في هذه المرحلة العمرية الحرجة الموجّه لها الخطاب المسرحي الجامعي في الأساس، وقد يجمع النص المسرحي الواحد بين التراجيديا والكوميديا، وغالباً ما تتوافق أحداث النص عبر فصول المسرحية التتابعية في المسرح الجامعي مع حاجات الشباب الذين يعشقون هذا اللون من ألوان الترفيه، وتعالج المسرحية التي يقوم بتمثيل أدوارها شباب موهوب مشاكلهم، وتفي وتشبع رغباتهم النفسية المعروفة لدى أهل الاختصاص.
إنّ عودة المسرح الجامعي والمدرسي والتنافسية بين الجامعات والمدارس في هذا اللون من ألوان فنون القول المعروفة، له أثره الإيجابي متى ما كان تحت نظر وإشراف الموثوق بهم وأصحاب الحس التربوي الواعي والمدرك لضوابط ومحددات التوجيه في هذه المرحلة العمرية الحساسة، وكان النص المكتوب هادفاً وواعياً لطبيعة وسيكولوجية المراهق، وتم التوصل للموهوبين أصحاب المهارة الذاتية في تقمص الأدوار والإبداع حين الأداء .
أين قاعة المسرح المدرسي في مدارسنا الحكومية حديثة الإنشاء، وعلى افتراض وجودها سواء في التعليم العام أو العالي، فما هي آخر الأعمال المسرحية التي قُدمت على خشبتها، وهل لدينا أهل اختصاص في هذا اللون من النشاط يقومون على الإشراف والمتابعة والتقويم وعقد المنافسات والتشجيع في مناطقنا التعليمية وداخل أروقة جامعاتنا السعودية ؟.
قد يقول قائل إنّ هذه هي مهمة جمعية الثقافة والفنون في الأساس، ولذلك فهي المعوّل عليها تفعيل المسرح والنهوض به، ولا أدري ما الفرق بين الفن المسرحي محل الحديث، وبين الأدب بفنونه المتنوعة الذي يدرس منهجاً مستقلاً في مراحل تعلمينا المختلفة وله مناشطه المتعددة، وفي نفس الوقت تنشئ وزارة الثقافة والإعلام وتؤسس الأندية الأدبية التي من وكدها الاهتمام بهذا النوع من النشاط الإنساني، ولا تضاد ولا يوجد ازدواجية في الدور، ولم يقل أحد بذلك من قبل .
إنّ هناك الكثير من القضايا المجتمعية التي بدأت تهدد مجتمعاتنا المحلية وربما تفتك بشباب الوطن تحتاج إلى معالجة سريعة واجتثاث من الجذور، كالمخدرات والاتكالية وغياب المسئولية وعدم الجدية وتضييع الوقت و.... والممثل الناجح قد يشارك في حملة التوعية الهادفة للعلاج، وربما صار حين يبدع في إيصال رسالة الإصلاح، أبلغ من الخطيب وأجود من المحاضر وأكثر وأعمق أثراً من الكاتب والمثقف .
من جهة أخرى على المبدع سواء أكان ممثلاً أو منشداً أو كاتباً للنص أو مخرجاً أو مصوراً، أن يتقي الله فيما يقول ويفعل وأن يتذكّر أنه محاسب على كل ذلك حتى ولو مثقال ذرة، ولا يغيب عن باله أنّ له رسالة مجتمعية سامية يجب عليه أن يحملها بكل تبعاتها وبجميع متطلباتها ورب كلمة قالت لصاحبها دعني ،، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.