تدخل الولايات المتحدة في عداد دول قليلة تعتبر تأسيس الشركات المتوخية للربح من الأعمال شبه البطوليّة، علمًا بأنّ ثقافة إطلاق المشروعات الناتجة عن ذلك استحوذت على خيال العالم، ووجّهت البلاد نحو ازدهار عظيم. إلا أن هذه الدَّوْلة بدأت اليوم تتعثّر.
في سياق بحث جديد سبق أن أثار نقاشًا كثيرًا، يوثّق خبيرا الاقتصاد يان هاثواي من شركة «إنسايت إيكونوميكس»، وروبرت ليتان من «بروكينغز إنستيتيوشن»، أربعة عقود من الزمن شهدت «تراجعًا لديناميكية الأعمال في الولايات المتحدة».
وقام هاثواي وليتان بمراجعة بيانات مأخوذة من مجمل الولايات الخمسين في الدَّوْلة الأمريكية، ومن جميع المناطق الحضريّة في البلاد، واستنتجا حصول تراجع شامل في مجال تأسيس الشركات في البلاد، رافقته زيادة في عدد الشركات التي يتم حلّها.
وبالتالي، تراجعت نسبة تأسيس الشركات في العام 2011 إلى نحو نصف ما كانت عليه في العام 1978م، في حين إن نسبة حل الشركات علت إلى مستويات تزيد بقليل عمَّا كانت عليه في العقدين الماضيين.
وكانت للأمر تداعيات واضحة، و»بغضّ النظر عن السبب، تبيّن أن الشركات الأقدم والأكبر تبلي بشكل أفضل نسبيًّا من الشركات الأحدث والأصغر».
ومع أن الابتعاد عن تأسيس الشركات نتج عن عناصر كثيرة، تلقى المسؤولية الكبرى على الدمج الذي اختبره عدد من القطاعات الاقتصاديَّة، التي أصبحت في عهدة مجموعة صغيرة من الشركات، التي باتت تمارس هيمنتها على القطاعات التي تعمل فيها.
ويلقى ذلك، بالقسم الأكبر منه، توجيهًا من احتياجات القطاع المالي، الخاضع بدوره لعمليات دمج واسعة النِّطاق. ونتجت عن عمليات الدمج المذكورة ديناميكيات مماثلة في قطاعات أخرى تشمل صناعة الأدوية، والكيميائيات، والطاقة، والتكنولوجيا.
كيف ينعكس دمج من هذا القبيل على أصحاب المشروعات؟ تبحث الشركات العملاقة عن خدمات لدى مورّدين بالحجم الكبير ذاته. أمّا الداخلون الصغار إلى السوق، فسيواجهون الصعوبات إن أرادوا إنشاء علاقات مع هذه الشركات العملاقة، علمًا بأنّ هذا الاختلال في توازن القوى ناتج في الواقع عن احتكار لعمليات الشراء، باعتماد مبدأ: «بعنا بالسعر الذي تقرّره، إنّما بشروط وضع الفواتير التي نريدها نحن».
وعلى خلفيّة ذلك، بات بإمكان الشركات الكبرى أن تقول لصغار المورّدين: «وإلاّ فعليكم بالرحيل من هنا».
وينبغي التفكير أيْضًا في الحاجة إلى منتجات وخدمات جديدة داخل دولة تملؤها القطاعات التي تركّز نشاطها على محاور محدّدة.
وفي الماضي، وعندما كانت شركة تواجه عشرات المنافسين المحتملين في مناطق جغرافية مُتعدِّدة، كان الدافع للتحديث يظهر قبل قيام الطرف المنافس بأيّ مبادرة تنافسيّة. أمّا في السوق المركّز، فيقل عدد المنافسين، وقد يتأتى النمو عن عمليات الدمج وعن الضغوط الحكوميَّة، أكثر منه بسبب خطوط الإنتاج الجديدة، ما يدعو أصحاب المشروعات على التساؤل عن الداعي لإطلاق مشروع جديد في بيئة كهذه. يشار إلى أن أصحاب المشروعات الأسطوريين في الولايات المتّحدة ظهروا في بيئة كانت مناسبة لدعم الشركات الجديدة، اشتملت على نموِّ سريع، وتبدّل تكنولوجي، ومنافسة مستمرة وتدخّل حكومي محدود.
واليوم، من الضروري أن تعثر الولايات المتحدة على طرق تخوّلها العودة إلى بيئة من هذا القبيل.