هل أصبح العثور على شخص أمين يشبه العثور على كنز أثري تلحف أديم الأرض واختفى، فاستدعى مشهد العثور عليه دق الطبول وإحياء الأفراح والليالي الملاح!! حكاية الراعي السوداني (الأمين) الطيب يوسف الزين أحمد، الذي استقبل في مطار الخرطوم قبل أيام استقبال الأبطال وتم حمله على الأعناق حكاية عجيبة بشكل لافت، فهذا الراعي الأمين البسيط فرض علينا أن نعيش معه قصة تشابه ما نقرأه في روايات ألف ليلة وليلة! حكاية أبدعها هذا الرجل وفرض على مقتحمي خلوته الصحراوية الحوار والحبكة التي يريد والنهاية التي أراد! فجاء سيناريو وحوار هذا الراعي البسيط من النوع الصادق الأبيض النقي.
الراعي الطيب يوسف أحمد أصبح نجم النجوم يحمل على الأكتاف فقط لأنه إنسان أمين!! تصوروا فقط لأنه أمين! هل فكرنا بذلك؟! هل الأصل أن يكون الإنسان أميناً أم يكون غير ذلك! ما يحدث في واقعنا العربي على المستويات كافة يصدمنا بحكايات بل جرائم خيانة الأمانة التي تتكرر في كل بلد، الكثير منها يختفي مرتكبوها كالملح في الماء، ومن المفارقات أنه بدل أن يصدمنا خبر خائن لأمانته أصبحنا ندهش لوجود شخص أمين في هذا الزمن! بعد أن عم الفساد وطم مجتمعاتنا العربية، ولعل هذا الاحتفاء يأتي لأننا وجدنا الشخص النموذج الذي أعلن عن بقاء الأمانة على قيد الحياة رغم ظروف عيشه القاسية وغربته وحاجته الماسة للمال!! لكنه نجح في الاختبار الصعب الذي أجري له، وحصل على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف بعد مناقشة مثيرة معه كانت المؤهلات التي يحملها في خبايا قلبه فقط الأمانة وخوف الله.
هذا الرجل بسلوكه الصادق هو نموذج حي لما يسمى الآن بـ(الطيبين) الذين لا يتخلون أبداً عن قيمهم ومبادئهم مهما كانت الظروف، ولتصبح صورته وحواره درساً للمتهافتين على بيع أمانتهم وذممهم والعارضين لها على طاولات المشاريع والمصالح.
إذا قلبنا صفحة الاحتفاء بهذا الراعي سنجد أننا أمام أزمة أمانة تستدعي الوقوف عندها وخاصة أن هناك أنواع من الفساد وخيانة الأمانة كثيراً منها ما يؤثر على حياة الناس بل ويهدر الميزانيات المخصصة للمشاريع ويوقف الكثير منها أو يتم تنفيذها بأسوأ المواصفات! أعتقد أن المجتمعات العربية بشكل عام في ظل ضعف أنظمتها الرقابية وغياب المحاسبة الجادة لمن يخونون الأمانة بحاجة إلى تعزيز القيم الأخلاقية كخط مواز ولعله الأقوى دائماً لتكريس مفهوم الأمانة، لكي لا يتحول رفض راعي أغنام رشوة إلى احتفاء واحتفال عربي!
قصة راعي الأغنام الأمين ليست بالتأكيد هي الوحيدة لكن هيأت لها وسائل التواصل الاجتماعي مساحة من الانتشار الكبير، البعض شاهدها فقط كقصة طريفة يرويها (جدنا) اليوتيوب. ولكن لها بالتأكيد معاني أخرى ربما كان أبرزها أن (الأمانة) بأعلى وأنقى صفاتها لا تزال على قيد الحياة.