ما هي الجريمة..؟
هي في اللغة بشكل مختصر مفيد: كلُّ أَمْرٍ إِيجابيٍّ أَو سَلبيٍّ يُعاقب عليه القانُون ، سواءٌ كان مُخالفة أَم جُنحة أَم جنايةً.
وحتى اليوم؛ لم يتفق الفقهاء على تعريف موحّد جامع لمعنى الجريمة (crime)؛ ومثلهم فقهاء القانون الوضعي.
ذلك أن تحديد الجرائم نسبي، يختلف من زمان إلى زمان، ومن مجتمع إلى مجتمع، كذلك لم تضع أغلب التشريعات الوطنية تعريفاً للجريمة، استكفاءً بما ورد من تعريفات فقهية لها، والتي جاءت تعريفاتهم مختلفة باختلاف وجهات نظرهم الفكرية، والتي يمكن حصرها في اتجاهين أساسيين: اتجاه اتخذ من الشكل أساساً للتعريف، والآخر اتخذ من الموضوعية أساساً لتعريف الجريمة.
ونكتفي هنا بما جاء عن الجريمة في الفقه الإسلامي، فقد عرّفها بأنها: محظورات شرعية، زجر الله عنها بحد أو بتعزير، ولها عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية، ولها عند ثبوتها وصحتها حال استيفاء توجبه الأحكام الشرعية، وهذا التعريف يشمل الجريمة الإيجابية التي تتم بإتيان فعل محظور، كما يشمل الفعل السلبي الذي يتم بالامتناع عن فعل مأمور بإتيانه، ذلك أن لفظ المحظورات الشرعية تعني المعنيين.
لم أجد صفة مناسبة أطلقها على ما يجري بيننا في شوارعنا كل يوم بل كل ساعة، إلا (جرائم متمردة)..! تأبى إلا أن تكون بأيدينا وغصباً عنا، رغم وجود تنظيمات وتحذيرات وغرامات، وواعز ديني وأخلاقي ونفسي كان يجب أن يردع هؤلاء المتهورين والمستهترين عن ممارساتهم الطائشة والغبية في قياداتهم لعرباتهم وسياراتهم بكل عنجهية وسفه، فيتوقفون تجاوز السرعات المحددة، وعن قطع إشارات الوقوف، ولا يقفون في الممنوع، ولا يحجزون الآخرين.. إلى ما هنالك من تصرفات سافلة لا تصدر إلا من سفلة.
كنت قبل عدة أسابيع؛ في حلقة نقاش مفتوح مع نخبة من مثقفين جزائريين في فندق سكني بمدينة قالما بالجزائر، وفتح أحدهم قضية المرور في الجزائر، ما يوحي أنها تستأثر بالرأي العام هناك، ثم وصل في كلامه إلى أن قال: بأن الجزائر هي ثالث أو رابع دولة في العالم في عدد ضحايا حوادث المرور، وذلك أنها تخسر سنوياً قرابة (4000 نفس) أمواتاً بفعل هذه الحوادث المفجعة..!
وجدت نفسي في هذا الجو الناقد للتعامل مع السيارات في الجزائر؛ أكتم ضحكة سوداء تطعنني كالخنجر..! لأن دافعها من تلك البلايا التي ضحكها بكاء.. أليس شر البلية ما يضحك..؟!
تذكرت الأرقام السنوية التي تسجل في بلادنا جراء الحوادث المرورية، وحاولت مع نفسي مقارنتها بما سمعت لأعرف: هل توجد دولة في العالم تزاحمنا على المرتبة الأولى على هذا القياس الدموي..؟!
أعلنت اللجنة الوطنية لسلامة المرور السعودية؛ أن عدد الذين قتلوا في حوادث السير في المملكة خلال العشرة أعوام الماضية بلغ (39441 شخصاً). وكشفت الدراسة عن أن عدد الحوادث خلال نفس الفترة بلغ أكثر من مليون حادث. ثم أشارت الدراسة إلى أن السرعة هي العامل الرئيسي في الحوادث، إذ يُعزى إليها أكثر من ثلث الحوادث المرورية. كما تمثل السرعة مع قطع الإشارة (40%) من إجمالي أسباب الحوادث. وكانت آخر الإحصائيات الرسمية خلال العشر سنوات الماضية ذكرت؛ أن الخسائر الناتجة عن حوادث المرور في المملكة بلغت حوالي (21 مليار ريال)، أي بواقع ملياري ريال سنوياً.
وفي آخر إحصائيات معلنة لحوادث المرور في المملكة العربية السعودية على لسان مسئول أمني سعودي، أن معدل الوفيات في حوادث الطرق في المملكة، بلغ (17 شخصاً) يومياً، أي أننا نفقد شخصاً كل (40 دقيقة)، ونفقد قرابة (7 آلاف شخص) سنوياً، لتحتل المملكة بذلك المرتبة الأولى عالمياً في حوادث السيارات حتى هذه اللحظة.
وهاكم من الهم إحصائية أخرى؛ فقد بلغ عدد مصابي حوادث السيارات في المملكة أكثر من (68 ألفاً) سنوياً، وزادت الخسائر المادية عن (13 مليار ريال) في السنة.
نقرأ اليوم عن بدء تطبيق عقوبة قطع الإشارة التي تلزم التوقيف والتحقيق، وهي جريمة سبق أن وصفت شرعياً بأنها (شروع في قتل)، وليت الأمر يتوسع ليطال المتجاوزين للسرعات المقررة، والمخالفين لكافة الأنظمة التي نصت عليها اللوائح المرورية، ومسودة منح الرخص للسائقين، مع أن الكثير من الذين يسوقون اليوم هم صغار سن، وآخرون لا يهتمون بهذه الرخصة، ولا بما تعنيه أمنياً. لقد أحسن أهل المغرب في وصفهم لقاطع الإشارة بأنه: (حارق ضوء)..! وحارق ضوء إشارة مرورية في أي بلد؛ هو حارق مفاهيم ونظم وأخلاق وحياة بشر، ووجب التشدد في هذه العقوبة وسواها حتى يرتدع من لا يرتدع إلاّ بقوة القانون.
أشعر بضيق شديد حين أرى هذه المخالفات أمامي بشكل يومي، دون حياء ولا خجل ولا خوف، وأشعر أن أصحابها مجرمون متمردون، يمارسون جرائم متمردة، وجاء الوقت الذي يُردع فيه المجرم، حتى تتوقف فيه جرائمه البشعة ضد الأموال والأنفس.