تلاميذ صغار يشتمون المدرسة وكل ما يتعلق بها ويُمعنون بالتّعبير بتمزيق كتبهم ابتهاجاً ببدء أول يوم من إجازة الصيف بالنسبة لهم، وإعلان الفكاك المؤقت من مقاعد الدراسة ومن المبنى المدرسي بكل محتوياته المادية والبشرية، هل تم الإيعاز لهم بهذا أم هي تصرفات أملتها احتقانات تراكمت وتزايدت طيلة الموسم الدراسي؟ ومع استبعاد فكرة (تعمُّد) الإيعاز لهم بهذه التظاهرة الصبيانية، الاّ أن الأسلوب غير المباشر ودون تَعمُّد من (بعض) إدارات المدارس وأعضاء من هيئات التدريس، قد يكون سبباً في اثارة التلاميذ وشحن نفوسهم طيلة أشهر العام الدراسي بأقوال وأفعال وتَوَجُّهات غير محسوبة يختزنها الصغار وتَتْرُك في ذواتهم آثاراً سلبية يصعب أن يلاحظها المعلم ولا التلميذ؛ لأنها كالطبقات يقوّي بعضها الآخر، فينتج عنها هذا الشعور السلبي والنفور من المدرسة بمن وما فيها، وقد يُرجع البعض تلك التصرفات التي بدرت من الصغار بانها ثمرة من سوء التربية المنزلية، غير أن هذه ليست قاعدة يمكن الاتّكاء عليها في كل حدث وواقعة من الفتيان؛ سواء في المدرسة او خارجها، وكثير من الأسر تحرص على أن يكون أبناؤهم على أعلى قدر من حسن الخلق والأدب، ولكن ليس في كل الأحوال تنجح هذه الاسرة او تلك في الإحاطة بكل تصرفات الصغار، هم بشر يعتريهم حالات من النشوة والتمرد البريء على قواعد التربية والسلوك لا تندرج في قوائم التجاوزات المشينة، لا سيما أنها من الصغار ويمكن الإحاطة بها وتعديلها بالتدرج، ثم إن كثيراً ممن قاموا بتلك التصرفات هم من ذوي السلوك الجيد انما هي طبيعة الصغار يَجُر بعضهم بعضاً للشقاوة والضجيج والصّخَب المعبّر عن مكنونات أنفسهم، هذه المكنونات ـ إن جاز التعبير ـ هي نقطة الارتكاز لمن يريد أن يحلل الموقف ويتتبع الأسباب لإيجاد حلول مناسبة تنقّي مفاهيم الصغار مما يخالطها من تعكير لعلّه غير متعمد، لكن مصادره متعددة.
ولتقريب الفكرة وتوضيح المقصد يمكن للأمثلة الموجزة التالية أن تقوم كرمز لمن تكفيه الإشارة: فقد روى أحدهم نقلاً عمّن يعملون في التدريس وتحفيظ الفرآن الكريم أن تحزّبات طائفية داخل المدرسة الواحدة كل (شيخ) يرى أن العلم والحق عنده ويُسفّه آراء مشايخ (معلمين) آخرين، ويحاول إقناع التلاميذ واستقطابهم لصفّه أو قل (لمدرسته) الفكرية، هذا الاختلاف والصراع الفكري داخل مدرسة واحدة هو مثال مُصغّر لخلاف أكبر في دائرة أوسع من المساحة التربوية التعليمية، مثال آخر حيث يعمد معلم هو رئيس الجماعة الدينية بإحدى المدارس على إجبار التلاميذ على اتّباعه ونهجه فيما يدّعيه من مشروعات دعوية تتطلب الدعم المادي خارج المدرسة، توجهت لإدارة المدرسة وبمناقشتهم اتضح أن المدير لا يعلم عن كثير من خطواته، وأشعرني بأسلوب غير مباشر ان هذا المعلم انما هو حلقة من سلسلة طويلة، ومدير مدرسة ابتدائية (تقاعد) كان يعامل الصغار بأبشع وأعنف الألفاظ ويقف على باب المدرسة صباحاً يشتم هذا ويقبّح ذاك، ويضرب الآخر، وكأنهم خراف أو دون ذلك من الحيوانات، هذه الأمثلة إذا أضفنا لها (المبنى المدرسي بمحتوياته) ونفسيات بعض المعلمين يتأكد لنا أن عقول ومشاعر الصغار والفتيان بحاجة لإعادة صياغه.