قالت العرب: يعرف المرء برسوله ورسالته وهديته، فالسفير أو الرسول بما يملكه من حكمة وحصافة ودراية بالأمور، يمثل شخصية وعقل ومقام مرسله، والعكس بالعكس، كما أن الرسالة تُنبئ عن مدى فهم كاتبها ومرسلها وبعد نظره، وكانت العرب تقيس شيمة وكرم وشجاعة الرجل من هديته، اذا كان من الطبيعي اقتران الهدية بالشيمة والكرم، فما علاقتها بالشجاعة؟! إنها المقاييس تختلف باختلاف الظروف والأحوال، وكانوا يُقيمون وزناً لهذا العنصر في التعامل الفردي والجمعي القبلي، فالشجاعة من عناصر بقاء وحماية القبيلة، ثم إن معيار الشجاعة حين تقديم الهدية يُعبّر عن مدى ثقة المُهدي بنفسه ورمزية هديته، ومعرفته ومن أهديت له بقيمتها، وبالتالي فهم يقرؤون عقل الرجل وشخصيته من هذه الهدية، وهذا ما جعل كثير من مشاهدي ومتابعي احتفالية افتتاح ملعب الملك عبد الله لكرة القدم (الجوهرة المشعة) التي شرفها خادم الحرمين الشريفين ورعايته للّقاء الكروي الختامي على كأسه حفظه الله، جعلهم يندهشون إعجاباً بتلميحته الذكيّة لعموم فتيان وشباب المملكة حينما قدم قلمه هدية للطفل (عمراً) الرجل (فكراً) فيصل الغامدي، الذي قدم بين يديه الكرة المضيئة ليضع يده الكريمة عليها لتشع أرجاء الملعب ضياءً ونوراً إيذاناً بالافتتاح المبارك بإذن الله، نعم إنها لفتة كريمة وتوجيه سام من لدن قائد مخلص في حبه لشعبه، من مضامينها حث الناشئة والشباب على النهل من ينابيع العلم والمعارف، والسباق مع الزمن نحو المعالي، والارتقاء بمستوياتهم العقلية الفكرية والتسلح بسلاح العلوم الحديثة فهي السلّم الذي به يصعدون إلى القمم، وابتسامة الملك الكريم أول هدية، قال عنها الشبل فيصل: (ارتحت كثيرا وذهب عنّي كل القلق حينما أهداني الملك عبد الله ابتسامته)، أجل: إنها ابتسامة وهدية لكل الشباب ولأبناء الوطن كافة من ملك الإنسانية ومحبوب الشعب، تلتها هدية القلم، ما معنى أن يكون قلماً؟! إنها حكمة أبو متعب باختياره للقلم، أدرك الفتى فيصل المعنى وقال ستبقى معي وسأسلمها لأولادي، هكذا تكون رسائل الحكماء للأجيال.
فالهدية بحسب قيمتها المعنوية، واعتبار مهديها، هي تعبير موجز لما يرمي إليه ويعنيه المُهدي من صافي الود وصادق الوفاء للمهدى إليه، فكلما كان مقدم الهدية عزيزاً كريماً، مقداماً شجاعاً، تكون هديته بقدر مقامه ووزنه، غالية بما يوازي مكانته وقدره عند الآخرين لا سيما المهدى إليه، وهي إنما تكتسب قيمتها ومكانتها من رفعة وعلو قامة من تكرم وأهداها، وعادة النبلاء وكرام القوم أن تكون هداياهم بقدر عزمهم ونفوسهم الشامخة، لا يرضون بحال من الأحوال أن تنزل أو تقل هداياهم بمدلولاتها ومعانيها وقيمها دون ما وهبهم الله سبحانه من المكانة وعلو الشأن، وهذا ما جعل المتاحف تزهو وتتزين وتتعطر بأتحف وأثمن هدايا الملوك والكبراء والأمراء والسلاطين، تبقى شاهدة على ما تحلّوا به من كريم الصفات وجميل الطباع ونبل الأخلاق، تتحدث للأجيال المتتابعة عن سيرهم العطرة وسجاياهم الحميدة، وملكاتهم القيادية.
إن كان الحديث عن القلم والابتسامة الكريمة الرحيمة فهذا لا يعني إغفال التحفة الرياضية ملعب (الجوهرة المضيئة)، والكلمات الأبوية العطرة التي توّجت رؤوس الحضور والمشاهدين، ألم يقل حفظه الله (إنكم تستحقون أكثر)؟!.