رغم التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي والصراع الذي يطبع العلاقات المختلفة بين الدول إلا أنه لا بديل عن الحوار والتواصل من أجل التعايش السلمي بين الثقافات المختلفة.. فمن المسلّم به أن التواصل الثقافي بين المجتمعات قناة إنسانية عريقة اتخذت أشكالاً متنوعة لإثراء بعضها البعض وكسب مسارات التغيير نحو الأفضل.. وبالتالي تعزيز واحترام المكانة الأدبية لخصوصية
ثقافة كل مجتمع..لكن في ظل تحولات دولية متتابعة.. ووتيرة تغيرات متلاحقة ومذهلة خلال العقود الأخيرة وما واكب ذلك من تقدم علمي باهر مصحوب بسطوة ثورة الاتصالات واندماج مع الثقافة التقنية انبثقت مفاهيم متعددة ومتنوعة وعلى مستويات شتى خاصة مفهوم العولمة الذي طغى وأسهم بنوع من التقارب بين الشعوب وانفتاح وتفاعل الثقافات مع بعضها البعض.. والتعرف على ثقافة الآخر بسلبياتها وإيجابياتها..فقوة الرسالة التواصلية لا تعتمد على محتواها بقدر ما تحدثه من صدى وتأثير على المقابل. لكن إذا كانت العولمة بوسائلها وآلياتها قد طرحت نفسها كواقع بديل للانفتاح على ثقافات الشعوب وتجاوز حدود المسافات الفاصلة بين التنوعات الثقافية ومحاربة التقوقع حول الأنا الضيقة التي ترفض إسقاط الحواجز للانفتاح على الآخر.. أو مد جسور التواصل في آفاق ثقافات الشعوب فما مصداقية تواصل الثقافات في عصر يشهد تحولات تقوم على التمايز والتعالي وتقديس الذات وما حقيقة التواصل في كنف ثقافات تؤججها مواقف إيديولوجية متصارعة.. وهل يمكن تحقيق تواصل ثقافي قادر على إقامة جسور من التفاهم تتجاوز الصراع وتقوم على مبدأ الإيمان بالتنوع بدل لغة الهيمنة والإلغاء التي قد يمارسها الآخر.. وهل من المنطق أن نتحدث عن تواصل واعٍ مع مختلف الثقافات العالمية وبعيد عن التبعية وصراع الإيديولوجيات ونحن نعاني ضعفاً في جسد التواصل العربي. لا يمكن أن يجحد التاريخ دور ثقافات عديدة في إمداد العالم بأنواع متعددة ومختلفة من العلوم وفي شتى مجالات الحياة.. كما لا يمكن أن يكون هناك ثقافات موحدة ومنسجمة تعيش في فضاء ثقافي متمايز في عالم معاصر يموج بفوضى الاحتكاكات الحادة والاستسلام لخطاب التنميط الثقافي والدعوة إلى اختزال التنوع الثقافي بدعوى أن ذلك يُعد تكريساً لتسلل أصابع ثقافات تشكل خطراً على مجتمعاتنا وأجيالنا، رغم أني أؤمن بمدى خطورة الغزو الثقافي عندما يخترق هذا الغزو الموروث الثقافي لأي مجتمع أو يهدد خصوصية ثقافات الشعوب ما يجعلها في موقف الاستعطاف والاستجداء لاحترام هويتها الثقافية وخصوصيتها التاريخية.. لكن التعددية الثقافية ضرورة من ضرورات التواصل والحوار مع الآخر؛ فالانعزال والتقوقع في محيط ضيق لم يعد خياراً حكيماً وسط تغيرات وتحولات عالمية.. أو أمام صعود دعاة تطرف ديني وفكري يحارب الانفتاح على الآخر ويرفض تعددية الثقافات بكل إيجابياتها وسلبياتها إن واقالعلاقات الدولية مع بعضها البعض واقع متأزم وخصوصاً العلاقات ما بين المسلمين والغرب وتزداد هذه العلاقة توتراً وتؤجج لغة العداء في ظل استمرار الهيمنة الغربية التي ما برحت تتخذ صوراً وأشكالاً لا حصر لها لتكريس مفهوم التبعية الدائمة، ومنها التبعية الثقافية.. تدس السم لإلغاء الموروثات والخصوصيات الثقافية.. وهذا ما ينذر بعبثية التواصل والتنوع الثقافي بين الشعوب الذي هو بمثابة نقطة مركز الدائرة للحوار والتواصل الثقافي بين أفراد المجتمعات المختلفة. فإذا كان تواصل الثقافات مع بعضها البعض ضرورة هامة فإن التأكيد على التواصل العربي لا يقل أهمية لتحقيق تفاعل ثقافي مشترك وتعزيز الانسجام الثقافي الذي يؤدي إلى دعم الحوارات الجادة وزيادة فرص نجاح المواجهة.