لدينا معادلة تنموية ينبغي وضعها في الحسبان عند مناقشة إنجاز أو تعثُّر المشاريع. الإعلان عن المشروعات بأرقام فلكية مفرحة للمواطنين لا بد أن يساويها أو يقابلها سرعة في تنفيذها وإنجازها على أرض الواقع، بعيداً عن التسويفات والمماطلات واختلاق الأعذار من قِبل المنفذين المؤتمنين من قِبل الدولة، وإلا ستتحول في النهاية إلى حبر شديد السيولة على ورق مصقول يسيح ويتبدد بفعل عوامل الزمن والحرارة وعوامل التعرية البيروقراطية. أيضا الوعود المتكررة التي يطلقها أكثر من مسئول بقرب نهاية التنفيذ أو تسريع وتيرة العمل ستتحول إلى سراب براق إذا لم تدخل حيز التنفيذ العاجل بتأمين الميزانيات والعناصر البشرية.
مقارنة الأقوال بالأفعال ومحاولة التأكد من مدى تقاربها أو تباعدها، هي فقط من سيشهد بمصداقية المنفذين من عدمها. مشروعات نفذت في زمن قياسي وأخرى لازالت نائمة متعثرة. الفرق هنا إما أنه يعود للحرص على تنفيذها، أو لأنّ الاعتمادات مرصودة قبل الإعلان عنها، أو لأنّ القائمين بالتنفيذ على درجة عالية من الكفاءة، وأضرب هنا مثالين لمشروعين عملاقين تم تنفيذهما في زمن قياسي أبهر الناس، فجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن نفذت رغم ضخامة مدينتها الجامعية في عامين فقط، ومدينة الملك عبد الله الرياضية بمدينة جدة وإستاد الجوهرة تم تسليمها قبل الموعد المحدد.
في تعليقه على مقالتي الخميس الماضي بعنوان « ثمانون ملياراً للتعليم هل سترقى بالفكر؟ « يقول القارئ الكريم والذي رمز لاسمه بـ «رساوي مجاور « (تسعة مليارات قبل عشرة أعوام صرفت لتطوير التعليم ما هو أثرها الآن؟ ثمانون ملياراً تكفي لتطوير التعليم في عشرات الدول، وإذا أحسن التخطيط لها وصرفها ستجعلنا نتقدم على كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وغيرها، ولكن لتعرف أن مبنى للوزارة في طريق الملك عبد الله مضى على ترسيته اثنا عشر عاماً وهو الآن مع مرور خمسة وزراء تعليم لم ينته وربما كثرها. ليتك بقلمك السيال تعطي مقارنة بين الأقوال والأفعال).
أتفق مع القارئ الكريم فيما ذكر، وسبق أن أوضحت في أكثر من مقالة، أنّ الخلل ليس في الميزانيات التي تضخها الدولة سنوياً، وإنما في التنفيذ الذي أدخل كثيراً من المشروعات إلى غرف الإنعاش بعد أن تقادم عليها العهد. موضوع التعثُّر رغم أهميته القصوى لم يبحث بدرجة كفاية، ولم نسمع حتى الآن إجابات شافية عن أسبابه، وهل ترجع لتأخر المستحقات الواجبة السداد للشركات المنفذة، أم لضعف الشركات المنفذة وعدم قدرتها على إنهاء المشروعات، أم أنّ الأحلام أكبر من الواقع.
تماهياً مع تعليق القارئ الكريم، أؤكد أنّ التعثر لا يقتصر على المشاريع المعمارية، بل يمتد للمشروعات غير المادية مثل مشاريع التطوير، وطبعاً « التطوير « هنا كلمة فضفاضة تستوعب كل الاحتمالات، وليس لها حد، ولديك أيضا مشاريع التجديد والتغيير والاستقطاب وخذ من المصطلحات وفي النهاية المردود ضعيف، أو أن بعض تلك المشروعات وخاصة في مجال التعليم توقف عنوة، لأنها بحسب من يطالب بإيقافها لا تتماشى مع العادات والتقاليد.
أعتقد لو عملنا مقارنة بين الأقوال والأفعال فقط في مجال التعليم، سنجد أنّ الغلبة ستكون للأقوال، فأين مجتمع المعرفة؟، وأين المدارس الذكية؟ وأين مشروع القضاء على المباني المستأجرة؟ والقائمة تطول، ولعل في المستقبل بريق أمل بإقالة العثرات.