وقفت على بسطة السيدة العسيرية في سوق الثلاثاء لشراء لبن «بيتي» تبيعه ضمن منتجات ألبان مشابهة. شريت لترين بعشرة ريالات وأعطيتها خمسين، ولكن يبدو أنني كنت أول زبائنها ذلك الصباح فلم يكن معها «الباقي». قلت لها إن بإمكانها أن تحتفظ بـ»الفكة» ولكنها رفضت وأصرت على
إعادة المبلغ المتبقي بالطلب من زميلاتها في البسطات المجاورة. حاولت أن أسهل الأمر بشراء كمية أكبر من اللبن، فاعترضت مرة أخرى قائلة إن المواد الغذائية الطازجة يجب أن تشترى وتؤكل في يومها، وطالما أنني لا أحتاج إلى المزيد فلا داعي للشراء».
اكتفيت بشراء قارورة إضافية بعد أن أقنعتها بحاجتي، وأعطتني الثلاثين المتبقية، قائلة: «شكرا على أية حال، ولكن المساعدة لمن يستحقها أما أنا فتاجرة.. وحالي والحمد لله بخير!»
هذه المساحة من السوق والمخصصة لأمثال هذه السيدة الفاضلة تأتي في سياق خطة الحكومة لمساعدة الأسر الفقيرة لتكون أكثر إنتاجية. والفكرة هي إتاحة فرص العمل، بدلاً من تقديم المعونة المادية فحسب. إذ تقدم الجمعيات الخيرية، بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، التدريب والقروض الصغيرة للأسر المنتجة، فيما توفر البلدية أماكن مجانية لبيع منتجاتهم.
قمت بزيارة مشاريع مماثلة في القصيم قبل عامين مع قافلة الإعلام السياحي التي تنظمها الهيئة العامة للسياحة والآثار. وروت لي سيدة كيف تمكنت في بضع سنوات من شراء منزل صغير عن طريق بيع حلويات محلية تسمى «الكليجة» للفنادق والجهات الحكومية، ومن خلال كشك مخصص لها. وقد صدقتها لأن الكليجة التي تقدمها ألذ من أي كليجة ذقتها في حياتي. وكان هناك غيرها من النساء تخصصن في بيع الهدايا التذكارية الفنية والفساتين وفرش المنزل. وقرر عدد من الفتيات فتح مقهى نسائي. لاحظت أن الحلويات والكعك اللذيذ الذي يصنعنه أكثره محلي وعالمي، وبعضه من إبداعهن.
منظمو قافلة الإعلام السياحي، رتبوا لنا، كتاب الرأي الصحافة السعودية، زيارة مشروع اجتماعي رائد آخر. ففي قرية باحة ربيعة، قرر المجلس المحلي أن هناك حاجة ملحة لتعليم شبابنا فضائل العمل التطوعي، حيث يتم تدريب الصغار على طلاء وصيانة وتنظيف المدارس والمساجد والأماكن العامة. واحدة من إنجازاتهم كانت إعادة طلاء الجدران بأشكال فنية بمنتزه الملك عبدالعزيز الوطني بمنطقة جبل السودة.
مدهش كيف يمكن للمبادرات الفردية والجماعية أن تحدث فرقاً. فخلال جولتنا بمنطقة عسير زرنا عدداً من القلاع والقصور التاريخية والمتاحف التي أنشأها هواة. فمتحف بن حمسان، في خميس مشيط، على سبيل المثال، تم بناؤه على مدى ثلاثين عاما، من قبل جامع آثار. ولحسن الحظ فقد استطاع ابن حمسان أن يطور مشروعه ليدر عليه دخلاً، وذلك بإضافة مطعم ومقهى تراثي وقاعة مناسبات. وقد دعمت الدوائر الرسمية هذا المشروع من خلال وضع زيارة المتحف وملحقاته ضمن برامج زوارها من الداخل والخارج. وربما أن المشروع لم يصبح بعد تجارة مربحة، لكنه على الأقل مكن صاحبه من تغطية مصاريفه.
وفي منطقة بني ألمع، تعاون أبناء القرى لتحويل القلعة التاريخية وقرية رجال ألمع إلى منطقة جذب سياحي. وفي مناطق أخرى قام أفراد ومجموعات بإقامة المتاحف وتجديد القصور والقلاع في بلداتهم، بدعم من المحافظات والبلديات والهيئة العامة للسياحة والآثار ومساهمتها في إعادة تأهيل وتوفير الخدمات للمناطق والمباني التاريخية، مثل متحف النماص في قصر عزابيل وقصر ثربان في النماص؛ وقلعة مسمار في رجال ألمع.
كل ما نحتاج إليه، إذن، هو المزيد من برامج التوعية بالفوائد الثقافية والاقتصادية للسياحة. مع دعم وتوجيه وتشجيع أجهزة الدولة، وسيقوم المتحمسون والمخلصون بما تبقى من المهمات.