عند ما تولى الأمير خالد الفيصل إمارة عسير، عام 1971 كانت المنطقة تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة، فقد كانت الوسيلة الوحيدة للوصول إليها مطاراً بدائياً، وطريقاً معبداً بينه وبين العاصمة الإدارية أبها، والتجارية خميس مشيط. ومنذ الوهلة الأولى استطاع الأمير الشاب التعرّف على الميزة الأساسية في المنطقة، وهي “السياحة”. فعسير جبلاً وتهامة تتميّز بثروة طبيعية مبهرة تتمثّل في الطبيعة الساحرة والتراث العمراني وشواهد تاريخية وحضارية قائمة.
أما موارد الإنتاج الأخرى فقد كانت الزراعة التي تعتمد على الأمطار الموسمية بالدرجة الأولى مع صعوبة تصدير المنتج في غياب وسائل المواصلات الحديثة وشبكات الطرق.
خلال سبعة وثلاثين عاماً، وبدعم من حكومته، أشرف الأمير الشاب، خريج جامعة أكسفورد، على إنشاء بنية تحتية وفوقية متكاملة للمنطقة الجبلية الوعرة والنائية. وكلما اكتملت حلقة من حلقات التنمية وتوافرت شبكات المواصلات والاتصالات والرعاية الطبية والخدمات العامة والأهلية، سهل تحقيق الحلم الكبير، السياحة.
كان الطريق إلى النجاح شاقاً وطويلاً، ولعل أهم التحديات تمثّلت في إقناع الفئات المعارضة للسياحة بأن انفتاح المنطقة على العالم وقدوم جحافل السياح من المناطق والبلدان الأكثر انفتاحاً ومدنية لن تؤثّر سلباً على ثقافة وتقاليد المجتمع العسيري المحافظ. إلا أن معظم فئات هذا المجتمع أدركت مع الوقت مدى الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسياحة، ولحقيقة أن منطقتهم أصبحت مقصداً صيفياً رئيساً، يؤمّها الزوار من جميع أنحاء البلاد ومنطقة الخليج للاستمتاع بالطقس البارد والعديد من عوامل الجذب الطبيعية والثقافية. وهكذا أصبحت السياحة مصدراً أساسياً للدخل وفرص العمل، وأيضاً لاعتزاز وفخر كل عسيري.
التعليم والإعلام كانا من أهم وسائل التغيير. فقد استطاع الفيصل على مدى أربعة عقود إيصال رسالته من خلال كافة وسائل الإعلام المحلية والخارجية، وعبر المهرجانات الثقافية، والمناسبات الرياضية. ومن خلال التعليم أشرف على إنشاء أحد أكبر الجامعات السعودية، جامعة الملك خالد، كما أسس كلية الأمير سلطان للسياحة والإدارة في أبها عام 1999، ثم في جدة (2007)، كجزء من جامعة الفيصل لنشر مفهوم السياحة وتدريب جيل جديد من محترفي تقديم خدماتها وإدارة منشآتها.
وشملت مشاريع ومبادرات خالد الفيصل تأسيس النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، ومهرجان الأغنية، وجائزة أبها للتميز الثقافي، وقرية المفتاحة للفنون في الحي القديم لمدينة أبها ويشمل استوديوهات الرسامين وأماكن إقامتهم، ومعارض ومحلات تجارية ومحلاً لبيع الكتب، إضافة إلى أحد أكبر المسارح في البلاد بسعة 3000 متفرج.
حلم الأمير الشاعر لم يتحقق في عسير فقط، بل انتشرت أفكاره لتطوير السياحة والتعامل معها كمصدر للدخل والوظائف والثراء الثقافي والنشاط التجاري والاستثماري لمختلف أنحاء المملكة. السياحة، كما أثبت الفيصل، فكر قبل أن تكون مجرد فكرة. وإن استطعنا نشر هذا الفكر وأحسنا توظيفه لتوفر لبلادنا، أرض الحرمين الشريفين، وجزيرة العرب، مصدر أساسي للدخل والأعمال، وكان لنا النفط الأبيض الذي لا ينضب، بإذن الله.
kbatarfi@gmail.com