شاركت أخيراً في البرنامج الحواري «سُؤال السَّاعة» على أمواج إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية (مدي1)، وسلط البرنامج الضوء على مستقبل وتحديات اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية وفُرَص نجاحه، بمشاركة السيد أسَامة القَواسْمي، النَّاطِق
باسمِ حَركةِ التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والسيد مْخيمَر أبو سَعْده، المحلِّل السِّياسي الفلسْطيني وأستاذ العُلوم السِّياسية بجَامعةِ الأزهر بغزَّة...
والبرنامج من إعداد الأستاذ رضا كريفي والأستاذ إبراهيم الغربي، وهما من الصحافيين المتقدين ذوي الفكر والغيرة على مهنة الصحافة الاستشرافية والذين تعتز بهم إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية، والتي لها حضور متزن في الفضاء المتوسطي منذ عقود وفي الدول المغاربية وفي إفريقيا...
وطوال البرنامج تبنيت أطروحة مفادها أن الحل الذي يظهر لي هو إما حل السلطة الفلسطينية أو المصالحة الحقيقية بين الإخوة الفلسطينين... فكلنا نتذكر اتفاق حركتي فتح وحماس في مكة الذي وقع في 8 فبراير 2007 برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد شارك في المداولات التي سبقت الاتفاق العديد من الشخصيات الفلسطينية من الطرفين (فتح وحماس)، كان من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (فتح) والنائب محمد دحلان (فتح) ورئيس الوزراء إسماعيل هنية (حماس) وخالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس). ورغم أجواء التفاؤل الكبيرة التي رافقت التوقيع على الاتفاق إلا أن التوتر بقي موجوداً في الأسابيع التي أعقبت التوقيع قبل أن ينهار الاتفاق مع أحداث منتصف حزيران في قطاع غزة في يونيو 2007 والتي انتهت إلى أن تؤول السلطة في القطاع إلى حركة حماس... وكلنا نتذكر اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية الذي وقع في السادس من فبراير شباط 2012 ثم الاتفاق الأخير الذي وقع منذ أسابيع...... وهاته المرة فالتطبيق العملي على الأرض هو المحك الحقيقي لاختبار نوايا الطرفين ومدى فهمهما لواقع الحال والمآل لإنهاء سبع سنوات من التشرذم والتطاحن والانقسام الذي مزق الإخوة الفلسطينيين في مواجهة المحتل الإسرائيلي. والمصالحة الحالية تنص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تكون مهمتها التحضير لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية بعد 6 أشهر على الأقل، وتعالج كل القضايا الخلافية الأخرى المتعلقة بملفات الحريات العامة والأمن والتوظيف الاعتقال السياسي والإعلام. ولعل عقدة العقد الآن التي تواجه الطرفين هي وجود دولتين صغيرتين محاصرتين ومختلفتين آيديولوجيا في الضفة وغزة، تعمل كل واحدة في اتجاه.. وواقع هاتين الدولتين يجبرهما على التوحد، أو كما يقول مراقبون «غريق مضطر للاستنجاد بغريق»....
البيئة الإستراتيجية الجهوية تغيرت والدكتور مرسي لن يعود الى الحكم وسوريا تعيش مشكلات سياسية بنيوية وحماس بدأت تفهم هذا جلياً، وقبل هذا وذاك فالخاص والعام يفهم خطورة الزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين على الشعوب والبلدان؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السلطة الفلسطينية اقتنعت ومعها كل الفلسطينيين بأن إسرائيل في حكومتها الحالية هي ليست للسلم، كما أن احتمالية حصول انتفاضة ثالثة مسألة صعبة جداً وباهظة الثمن «فالأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو الذي لم يحقق الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، والثانية كانت مكلفة جداً وانتهت إلى تبني إسرائيل خطة الفصل العنصري «الآبارتايد» التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن القطاع، ويمكن أن تنتهي بإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم، وهو الأمر الذي لا يساعد على التواصل بين القرى والمدن، فما بالك بين الضفة والقطاع، فضلاً عن إحكام الاحتلال قبضته على الضفة بالتنسيق الأمني العلني مع السلطة الفلسطينية». ويكتب الصحفي الأمريكي البارز توماس فريدمان في هذا الجانب: «تساءلت لوهلة: لماذا لم تحدث انتفاضة ثالثة؟ أي لماذا لم تحدث انتفاضة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية؟ هناك تفسيرات عدة من الجانب الفلسطيني: أنهم فقراء للغاية، منقسمون للغاية، منهكون للغاية. أو أنهم أدركوا في نهاية الأمر أن هذه الانتفاضات تضرهم أكثر مما تنفعهم، لاسيما الانتفاضة الثانية. لكن بحكم وجودي هنا، فمن الواضح أن الانتفاضة الثالثة في الطريق. وهي التي تخشاها إسرائيل دائماً أكثر، ليس انتفاضة بالحجارة و(الانتحاريين) بل انتفاضة تدفعها المقاومة غير العنيفة والمقاطعة الاقتصادية». لكن فريدمان هنا يخالف السلطة الفلسطينية ويعتبر أن هذا الدور ليس منوطاً بها ولا بالشعب الفلسطيني، حيث كتب يقول: «لكن هذه الانتفاضة الثالثة لا يقودها حقاً الفلسطينيون في رام الله، بل الاتحاد الأوروبي في بروكسل وبعض معارضي احتلال إسرائيل للضفة الغربية في مختلف أنحاء العالم. وبغض النظر عن الأصل فقد أصبحت تلك المعارضة قوة للفلسطينيين في مفاوضاتهم مع الإسرائيليين».... هذا كلام جميل ولكن أظن مع بعض المحللين الإستراتيجين أنه في غياب المصالحة الفلسطينية لن يبقى من حل حقيقي للفلسطينيين إلا حل السلطة الفلسطينية.. ففي دراسة أصدرها «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية»، بالتعاون مع«مشروع الشرق الأوسط للولايات المتحدة»، و»المركز النرويجي لمصادر بناء السلام»، وقد شارك في إجرائها العشرات من الخبراء السياسيين والأكادميين، فإن «معظم الفلسطينيين يعتقدون أن إسرائيل تنظر إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها تلعب دورين مهمين: تعفي سلطة الاحتلال من مسؤولية رعاية أولئك الذين يعيشون في ظل الاحتلال، وتقي إسرائيل التي ترغب في حماية هويتها اليهودية من التهديد الديموغرافي المتجسد في واقع الدولة الواحدة». وأضافت الدراسة، التي حملت عنوان «مبادرة اليوم التالي»، بمعنى اليوم التالي لانهيار السلطة الفلسطينية، أنه رغم ذلك فإن «إسرائيل قد تلجأ إلى فرض عقوبات من شأنها أن تؤدي، عن قصد أو عن غير قصد، إلى انهيار السلطة الفلسطينية». وبالمقابل، ومن وحي الدراسة ذاتها، يرى فلسطينيون كثر (بعضهم في أروقة قيادية رفيعة) أن الحيل الإسرائيلية تقود عملياً إلى تفكيك السلطة الفلسطينية. بل إن قياديين من هؤلاء يرون أنه لا ضير من أن تحل السلطة الفلسطينية نفسها بنفسها «لإجبار إسرائيل على تحمل مسؤوليتها الكاملة كقوة احتلال». وبحسب هؤلاء، فإن هذا الأمر في حال حصوله، سيضطر إسرائيل «لأن تختار بين خيارين لا ثالث لهما: تعزيز واقع الدولة الواحدة -مما يضطرها لأن تصبح دولة فصل عنصري أو تمنح الفلسطينيين حق المواطنة الكاملة- أو إنهاء احتلالها ومنح الفلسطينيين الاستقلال والسيادة». وبالفعل، كما يكتب دائماً الدكتور أسعد عبدالرحمن فإنه هناك حتى قادة فلسطينيين يرون أن «حل السلطة» ربما يكون أمراً لا مفر منه والطريق الوحيد الكفيل بإحداث هزة في الوضع بحيث يفرض على إسرائيل عبئاً كبيراً تعود بموجبه إلى إنفاق الأموال مرة أخرى لإدارة شؤون الفلسطينيين (تحت الاحتلال) في المجالات المختلفة، وهذا سيؤدي إلى جدل كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، حول مستقبل الأراضي الفلسطينية. ويؤكد هؤلاء القادة أنه قد بات مطلوباً من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إحداث مثل هذه «الهزة»، بحيث يتم رفع الغطاء الذي يمرر نتنياهو من خلاله كل مخططاته «الاستيطانية».
فنتنياهو بل ومنذ دافيد بن غوريون فإن الإسرائليين لا يرون في الفلسطينيين شركاء حقيقيين في السلم بل يجب التخلص منهم أو على الأقل تهميشهم وتطويقهم.... فعار ثم عار أن يبقى الإخوة الفلسطينيون متفرقين عرضة لكل الرياح العاتية تتلاشى مكاسبهم، بل قد يعجزون عن المدافعة عن أنفسهم بما خضد الغلب من شوكتهم، فيصبحون مغلبين لكل متغلب، وطعمة لكل آكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.