أثناء زيارتي لأحد المعلمين في فصله، سألته في نهاية الزيارة، كم خدمتك؟ فسارع ليجيب عن سؤالي (20 سنة) قالها بزهو، حقيقة أكبرت فيه هذا الاعتزاز بما قضاه في ميدان التعليم من عمر وهو يجيبني، لكن مع الأسف وجدتها من خلال أدائه، وكأنها خبرة سنة واحدة! قلت له كم هو جميل أن يقوّم الفرد نفسه «التقويم الذاتي» فما رأيك أن نجلس أنت وأنا، للحظات في جلسة تقويمية ذاتية سريعة، ترى فيها ماذا قدمت هذا العام من جهود، وكيف كان أداؤك، وأنا على يقين بأنك ستستفيد من هذا التقويم، إمّا لتعزيز الإيجابيات التي ستلمسها عندك، وإمّا أن تسارع إلى إصلاح ومعالجة ما قد يبدو لك أنه قصور واضح في أدائك، وصدّقني أن الفرد خير من يقوّم نفسه إذا صدق في تقويمه لذاته، لأنه لن يكون تحت تأثير الخشية من نقد الآخرين وتقويمهم له، ولا نظرتهم إليه، قال كيف؟ قلت: دعني أرصد معك في ورقة مجموعة من الأسئلة، والتي ستجيب عليها بمفردك، وبكل صدق وأمانة، تقوّم من خلالها نفسك، ليس تقويما تقديريا رقميا قد يحتاجه غيرك عنك؛ إنما تقويم شخصي لك، يخّصك وحدك، ولا دخل لأحد به سواك حتى أنا، قال خذ راحتك، شعرت بارتياحه وثقته بجلوسه معي حينما أحس بقناعة نحو فكرة التقويم الذاتي، وأدرك الهدف من كلامي، فشكرت تجاوبه، وقمت بتدوين مجموعة من الأسئلة منها :-
- هل تحرص على التحضير اليومي لدرسك بخط يدك؟ أم تلجأ إلى الإعداد الجاهز المنسوخ من المكتبات أو في مواقع الإنترنت؟
- هل تحرص على قراءة الإعداد للدروس؟ أم ترى أنه مجرد عمل مطلوب منك إنجازه لذا تحرص على تنفيذه وإحضاره فقط؟
- هل تهتم باصطحاب تحضيرك للدروس معك داخل الفصل لتستفيد مما فيه؟ أم لا تهتم به كاهتمامك أن يوقع عليه مدير المدرسة فقط وانتهى دوره؟
- كم وسيلة تعليمية استعنت بها هذا العام في دروسك لطلابك؟
- هل كنت في دروسك تنوّع أساليب تدريسك؟ أم تؤديها بطريقة واحدة؟
- هل جربت أيا من إستراتيجيات التعلم النشط؟
- هل كنت تعدّل وتغّير في جلسات طلابك داخل الفصل؟
- هل كنت تحرص على المتابعة اليومية لكل الأنشطة التحريرية لطلابك؟
- كم عدد الأنشطة الإملائية التي كنت تقدمها لطلابك أسبوعيا؟
- هل أعطيت «ملف إنجاز الطالب» اهتماما كافيا بمتابعته، وتغذيته بأوراق العمل والأنشطة المتنوعة؟
- هل ترى أن أوراق العمل التي تقدمها لطلابك عددها كافيا أسبوعيا؟
- هل حرصت على أن تسجل أسماء الطلاب المحتاجين للرعاية الدراسية من أجل متابعتهم؟
- الطلاب المحتاجون للرعاية الدراسية هل قدمت لهم ما يمكن أن تراه خطة علاجية لتحسين مستوياتهم؟
- سجل تقويم الطالب للمهارات هل تحرص على تفعيله في كل حصة أثناء التعلّم؟ أم تعتمد على التوثيق الذهني، وفيما بعد تقوم بتسجيل تقويم أداء طلابك؟
- هل تنوّع أساليب تحفيزك لطلابك (هدايا- بطاقات- لوحة الشرف) أمّ تكتفي بالعبارات اللفظية فقط؟
- هل تهتم بحضور الدورات ومناشط المشرفين التربويين؟ أمّ لا تهتم بها كثيرا؟
- كم نسبة من المائة تعطيها لبيئتك الصفية؟
- هل أنت تنوّع أساليب التقويم، وتجرّب أدواته المتنّوعة لطلابك؟ أم تعتمد فقط على أسلوب الملاحظة لأنه أسهل وأسرع؟
- كم اختبار تحريري تجريه لطلابك في الأسبوع الواحد؟
- هل جربت التعلم التعاوني وفق آليات تنفيذه الصحيحة؟
- كم مرة اصطحبت طلابك للمكتبة في الفصل الدراسي الواحد من أجل القراءة الحرة لتنمية القراءة والمطالعة؟
- هل تسجل خططك العلاجية للطلاب المحتاجين لدعمك في استمارة خاصة لمتابعتهم؟
في النهاية.. كان هدفي من هذا الموقف الذي نقلته لكم وقد عشته في مهمتي الميدانية، أن أرسي (مفهوم التقويم الذاتي) وهو فلسفة رائعة، أرى أن كل تربوي بحاجة إليه أكثر من غيره، والمعلم على وجه الخصوص أحوج التربويين إليه، لأن أقوى ما في التقويم الذاتي أنه يعطي «الضمير» صحوة أو لنقل يقظة، ويتيح لمن يقوّم نفسه أن يعمل لأدائه مراجعات حقيقية بعيدا عما قد يقوم به المقوّم الخارجي والذي قد تخدعه بعض المظاهر السلوكية الخارجية، لأنه يضع نفسه أمام المسئولية الأخلاقية للعمل المنوط به.