في إحدي الكراسي الحديدية التي غلفها البشر المتفاوتون, جلس رجل قد احتضن ملابسه, متكوراً فيها, قد وضع حقيبته الصغيرة بين ساقيه وتحت عينيه لكيلا يغفل عنها لحظة، فقد احتوت إلى جانب إغراضه الشخصية وبعض الأموال, تقريراً مضنياً يترقبه رئيسه كما احتوت تذكرته في جيبها الخارجي.
التحذيرات الكثيرة من سرقة الحقائب المطارات حولت الحذر إلى وسواس وخوف، كان يرفع رأسه في كل مرة يصدح بها الصوت الأنثوي العذب بلغات مختلفة ليعود خائباً منتظراً, تنقلت عيناه من الوجوه الكثيرة التي ملأت المكان كتسلية مجانية بتخمين أصلهم ومهنهم ريثما تعلن رحلته عن إقلاعها.حتى توقفت عيناه عند اثنين أسمرين, يرتديان ثياباً طويلة واسعة وعمائم وكانوا من أصحاب اللحى الطويلة.
كانا يهمسان لبعضهما بعضا وبينهما حقيبة سوداء كبيرة وعيناهما تحمل الكثير من الترقب والوجل، بجانبهم عائلة يبدو أنها من أصول أوروبية تتكون من رجل أشقر طويل وامرأة وطفلين قد تشاغلوا بالضحك وبجانبهم عربة تحمل العديد من الحقائب عدا واحدة, قد استندت إليهم وقد لفتت انتباهه أن الحقيبتين قد تماثلتا في الشكل واللون.
وقف أحد الأسمرين ليعدل من ملابسه الداخلية بعد قعود طويل وهنا سقطت حقيبته محدثة دوياً كبيراً, التفت على أثرها الرجل الأشقر منتبها وتبادلا النظرات وبادر الأسمر بالمصافحة ولمس الأكتاف ثم الابتسامات مع الأشقر الذي انبسطت أساريره.
خلال هذا عاد الصوت الأنثوي إلى الإعلان فاتجهت كل الأعين إلى أعلى ثم جرت السيدة العربة، وقد تمسك بها الطفلان وقد نبهت زوجها بكلمات رقيقة, فصافح الأسمر بسرعة وجر الحقيبة فيما أخذ المعمم الأخرى واتجه إلى الناحية الأخرى، تم كل شيء في ثوان وصوت الإعلان أغفل كل منهما عن أمر مهم لقد أخذ كل منهم حقيبة الآخر حيث كانت عينا ريان ترمقان الحقائب بدقة.
احتار لوهلة ماذا يفعل؟ ومن ينبه؟ العائلة الأوروبية السعيدة ام الاثنان صاحبا النظرات المريبة.
حسم أمره واتجه إلى العائلة التي حثت المسير إلى البوابة المطلوبة.
أسرع قليلاً حتى أدركهم وبلكنة إنجليزية ركيكة حاول تنبيههم إلى اللبس الذي حصل, لكن كل ما تلقاه هي كلمات من لغة لا يفهمها ونظرات الغضب والانزعاج من الأشقر وزوجته.
اتخذ خطوة متهورة وأمسك بالحقيبة وأشار إليها, فجذب الأشقر الحقيبة بعنف ودفعه ,فيما صاحت السيدة برجال الأمن كانوا قريبين.
ما شعر بنفسه إلا وهو في غرفة بوسطها طاولة رديئة ومرت ساعات طويلة حتى دخل عليه رجل ضخم الأكتاف قد شمر عن ساعدين, على أحدهما آثار حرق قديم.
مد يده بجواز سفره إليه قائلا بلغة انجليزية ركيكة فهم ملخصها: من حسن حظك أن العائلة لم تقم دعوى ضدك لأنها كانت على عجالة, لا تحاول سرقة حقائب مرة أخرى, هيا انصرف لحالك وأشار إلى الباب. هم بالحديث لكنه يعلم انه دون طائل كما بدا له الباب في حينه, كأحد ابوب الجنة لذا لاذ بالصمت وأخذ الجواز ثم اتجه إلى الخارج ليتنفس هواء الحرية, هرع إلى صنبور ماء وأخذ يكرع حتى ارتوى.
كان قد فقد موعد رحلته فاتجه إلى مكتب الحجوزات للتجديد, فطلبت منه الموظفة صورة التذكرة والإثباتات وبعد أن قلب جيوبه انتابه الفزع فقد اكتشف في هذه اللحظة أنه قد فقد تذكرته وحقيبته وضرب على رأسه حين جال بخاطره تقرير رئيسه وأخذت الدنيا تدور به, خلال هذا تراءى له الرجلان الأسمران وهما يسلمان الحقيبة إلى قسم المفقودات.