تأليف الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى -
كتاب (لا تغضب) للدكتور القدير والجهبذ النحرير، والشيخ الخبير، عائض بن عبدالله القرني - حفظه الله جل في علاه - كتاب لطيف المحمل، جيد المحضر، مادته جد جميلة، وماهيته جد مفيدة، وهو كتاب مدعم بأقوال السيف الصالح من الصحابة والعلماء والأدباء في التحذير من طبيعة الغضب، وشرح حقيقتها.
وطرح الحلول المناسبة لتفاديها ومن ثم القضاء عليها، فإن كنت سريع الغضب، خفيف الطيش، منهك الأعصاب، متهالك الإثارة، فعليك به، كيف لا وهو قائم على عمود وذروة سنام محمد صلى الله عليه وسلم حين نصح الصحابي المتسائل عن قمم الأخلاق، بقوله له: (لا تغضب) ورددها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ثلاث مرات متتاليات متعاقبات وهو الذي لا ينطق عن هوى، إنما مشكاته وحي يوحى عليه السلام.
غضب على غضب ومثلي يغضب
ودم صبيب ثم نار تضرم
وإليك خمساً إن عملت بها تفز
فوزاً عظيماً وفي الجنان تنعم
حلم فصبر ثم غيظ كتمه
ثم التأني ثم عفو تغنم
يقول سماحة شيخنا النابه عائض بن عبدالله القرني في إرهاصة الكتاب الميمونة كلاماً جميلاً جاء فيه: (يأتي كتاب (لا تغضب) بعد كتاب (لا تحزن) فكتاب (لا تحزن) دواء للهموم، وكتاب (لا تغضب علاج للسموم، لا تحزن للمكدرات ولا تغضب للمشكلات، لا تحزن لما مضى وانقضى، ولا غضب لما حلَّ ونزل، لا تحزن حتى لا تخالف القدر، ولا تغضب حتى لا تقدم في الصبر، فدواء المحزون العلم، وعلاج الغاضب الحلم، ترك الحزن ثمرته السرور، وترك الغضب ثمرته الرضا، المحزون مريض مفجوع، والغاضب ثائر ناقم، وليكن قارئ الكتاب على بينة واضحة وهو أن الحديث في كتاب (لا تغضب) مختلف وغير مكرور لما جاء في الكتاب الذي سبقه (لا تحزن) {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (40) سورة يس، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه على الشيخ الدكتور عائض القرني - حفظه الله - ما الذي يضمه الكتاب بين إهابيه؟ فتأتي إجابته أدبية سندسية مخملية حين قال: (أهدي لك المعاني الناضجة، والتجارب الصحيحة، والرأي الراشد عن المأساة الكبرى، (الغضب) وعن الأزمة العظمى (الغضب)، وعن الداء المزمن (الغضب)، فأقطف ما شئت من يانع الثمر، وجميل الزهر، فعندك آية محكمة، أو حديث صحيح، وقصة مؤثرة، وحكاية معبرة، وبيت شارد، وحكمة راشدة، فاهبط رياض المتعة الروحية والذهنية):
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طرباً لحل عويصةٍ
في الذهن أبلغ من مدامة ساقي
وصرير أقلامي على أوراقها
أحلى من الدوكاة والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها
نقري لألقي الرمل عن أوراقي
يا من يبالغ بالأماني رتبتي
كم بين منسفل وآخر راقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته
نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
هذا، وقد كان شيخنا الطُلعة يسوق قارئ الكتاب بذكاء شديد، وسلاسة وانسيابية، وحسن تأمل، وجميل تطلع بين جزئيات الكتاب، وقد عنونها بعناوين جذابة مشوقة مثل النفر الذي سوف يأتيك ويصلك بعد برهة من الوقت، حيث يقول - حرسه الله - (مفاتيح الغضب)، (الغضب عدو), (صفحتا التاريخ)، (الغضب الإلهي)، (إياكم وغضب الله)، (الأنبياء يغضبون)، (غضب الرسول صلى الله عليه وسلم)، (ذبح الغضب)، (دعاء الغضبان)، (والكاظمين الغيظ)، (والعافين عن الناس)، {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، (غضبة نابليون)، (المسامير)، (البرتقالة)، (هؤلاء ما غضبوا)، (هؤلاء عفوا)، (شكراً لهؤلاء)، (يعمي ويصم)، (عشرة في عشرة)، (خمس وخمس)، وأخيراً (رسائل إلى الغاضبين).
وهكذا استطاع الشيخ الداعية أن ينتقل من جزئية إلى أخرى، وأن يتنقل من تيار إلى نده، ولسان حاله يقول لك: (أحذر الغضب)، فهو خلق ذميم دميم، اجتمع الناس على كراهيته والنقمة على من يتسم به، وهو وسم على أديم شخصية صاحبه، يتجافاه القريب والبعيد، وينأى عنه الصغير والكبير، ويمقته الشريف والوضيع، أسلوب الكتاب أخاذ فهو يطفئ الغضب، ويشرح النفس، ويسكن القلب، ويبعد القلق حيث يقول للقارئ: دع الغضب وأبدأ الحياة، وحتى يقنعك بأن الغضب رزية لا كالرزايا، ومثلبة لا كالمثالب، ومنقصة لا كالنقائص، فهو يثير عقلك بجدل منطقي، لا تلبث إلا أن تسلم له بالفوز والربحان، وذلك فضل الله يمن به على من شاء واختار من عباده المؤمنين فمرحى له مرحى، هذا ويكتب الشيخ أسلوباً نثرياً أدبياً مدعماً بالشواهد الشعرية، والتي أضفت على الكتاب جمالاً على جمال، ورونقاً وحلاوة وطلاوة، وهذه الشواهد الشعرية وظفها الشيخ الدكتور في طرح حلول منطقية لمعالجة هذا الخلق، وطريقته في سياق الحوار سديدة كل السؤدد، أدبياته وتقسيمه وطرحه وجمعه يظهر التأثر القوي بشيخ الإسلام ابن قيم الجوزية.