كان العربي قبل بزوغ فجر الإسلام على يد سيد البشرية ومعلمهم محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- يتباهى ذلك العربي الجاهلي برد الشر بالشر، ولكن محمداً نبي الرحمة- صلى الله عليه وآله وسلم- لم يقر هذا المبدأ على الإطلاق بل استبدله بفضائل كثيرة ومنها فضيلة العفو، لأن العفو يرسم للإنسان معالم السلوك الفاضل تجاه العديد من الإساءات التي يتعرض لها؟
والعفو في مفهومه العام لا يمارس إلا في مواجهة ذنب أو خطأ أو إساءة، وهو ترك العقاب أي التنازل عن حق مقدر بحكم العدل، وقد وعد الباري جل وعلا العافين بالخير فقال تعالى فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40 سورة الشورى).
ومن قال: إن العفو من شيم الكرام فإنه يعي تماما أنه فضيلة خلقية عليا، إن قصص العفو في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تعني حلمه وترفعه وعطفه وهناك مواقف كثيرة ومنها عفوه عن ثمامة، وكان هذا العفو سبباً في دخوله الإسلام مؤمناً بربه مطيعاً لنبيه، وعفوه عن اليهودية التي وضعت له السم في كتف الشاه وأكل منه وأراد أصحابه قتلها ولكنه عفا عنها، وعفوه عن أهل مكة عندما فتحها، وقال كلمته الشهيرة اذهبوا فأنتم الطلقاء رغم ما عاناه منهم من أذى والشواهد على عفوه لا تعد ولا تحصى، ولا ينسى التاريخ عفو أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تكلم من كان يحسن إليهم على ابنته عائشة رضي الله عنها فبدلا من عقابهم عفا عنهم واستمر في إكرامهم، إننا نتساءل أين العفو الآن؟
وها نحن نسمع ونقرأ ونشاهد العديد من المشاكل في المجتمع لم يجد العفو طريقاً لحلها، فها هي المحاكم تكتظ بالمراجعين، وهاهم أصحاب الرقاب يتوسلون الناس لدفع الديات والتي وصلت مؤخرا إلى ثلاثين مليون ريال للفرد الواحد وها هي مراكز الشرط مليئة بالمتخاصمين، وها هي الطرقات مليئة بمن يعرقلون السير بسبب حادث بسيط لا يستدعي انتظار وصول دورية المرور والتي قد لاتصل إلا بعد ساعات طوال مما يتسبب في تأخر الناس بما فيهم المرضى والموظفون؟ وهناك في بعض المجالس تجد الملاسنات والمشاحنات والتي تتسبب في مشاجرات، وهناك من يقضون محكومياتهم في السجون وعندما تنتهي مدة العقوبة يجدون من يستخدم ضدهم السلاح لأخذ الثار، وكأنهم يعتقدون أن العفو من العيوب أو نتيجة خوف أو ضعف وهناك من يعتقد أن الشجاعة لا مكان للعفو فيها؟
صحيح أن العفو عن الحق العادل لا يمكن أن يفرض كواجب ولكن الصفح عن المخطئين يعتبر من أخلاق الإسلام الحميدة التي يجب أن يتصف بها كل المسلمين مصداقا لقول نبي الهدى صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: إن الناس سيكثرون أو يقلون فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم، وقال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وقول سيدنا علي رضي الله عنه في العفو إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه، إن المجتمع بأسره مدعو لتطبيق فضيلة العفو لأنه قد يمثل حسنات يريد الله أن يهديها للعافين ودفع سيئات لا يعلمها إلا الله.
فهل نفعل؟