عندما يبدأ شباب وشابات هذا البلد نشاطهم التجاري لأول مرة، وتحقيق أحلامهم التي لطالما حلموا بها، نجدهم لا يركزون على البدء برأس مال بسيط ومعقول لضمان نجاح فكرة المشروع التجاري الجديد بشكل تدريجي، كما هو حال بداية جميع المشاريع الناجحة هذا اليوم، بل نجدهم يسعون للحصول على القروض، وكأنها العائق الوحيد أمام تنفيذ فكرة المشروع الجديد، متناسين بذلك أن المشروع الجديد لم ينجح بعد، وأن الاقتراض في واقع الأمر هو سلاح ذو حدين؛ قد يضاعف من أرباح المشروع، وقد يضاعف من خسائره!!
وحتى نفهم ما يتوجب على شبابنا وشاباتنا فعله فلنتمعن قليلاً في قصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - (أكبر وأشهر تجار الصحابة)، عندما ترك ماله وتجارته في مكة، وهاجر إلى المدينة فقيراً، لا شيء له، ثم آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري؛ فعرض عليه سعد أن يشاطره نعمته، وأن يطلِّق له إحدى زوجتَيْه، فقال له عبدالرحمن: «بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق». فذهب، فباع واشترى حتى نما ماله، وكثرت تجارته. وهي قصة رائعة، تقدِّم لنا دروساً مهمة لكل من يريد أن يبدأ مشروعه التجاري لأول مرة.
فمن أهم الدروس أن التاجر الناجح يجب ألا يقترض في بداية نشاطه التجاري ولو بقرض حسن؛ لأن القرض قد يشكِّل عبئاً عليه، وأن يعتمد فقط على جهده الشخصي لتكوين رأس المال الذي سيبدأ به مشروعه، ولو بمبلغ بسيط، وأن يكون هدفه الرئيسي دائماً هو إنجاح فكرته كنموذج عمل جديد، وأن يبدأ نشاطه بالتدريج حتى يتمكن بمرور الوقت من فَهم طبيعة ومكونات السوق (من حيث المنتجات وآلية العرض والطلب... إلخ)، ويؤسس لسمعته التجارية، وهذه بالطبع أمور تحتاج إلى وقت طويل. أما النمو فهو ليس هدفاً بحد ذاته، لكنه سيكون نتيجة حتمية في حال تطبيق هذه الدروس بالشكل الصحيح.
وأهم الدروس التي نستخلصها من قصة هذا الصحابي الجليل أيضاً أن التاجر الناجح هو الذي يصنع المال، وليس المال من يصنعه، وهذه نقطة مهمة جداً يجب على شباب وشابات هذا البلد أن يضعوها دائماً نصب أعينهم عند ممارسة نشاطهم التجاري، فالنجاح لا يعني الوصول إلى الهدف، كما أن رأس المال ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الهدف، وإنما يتحقق الوصول إلى الهدف من خلال «المعرفة»، ولا شيء غير «المعرفة»، وهذا بالضبط ما كان يملكه الصحابي عبدالرحمن بن عوف بالرغم من كونه فقيراً عند الهجرة، وهذا هو رأس المال الحقيقي لأي تاجر ناجح في أي مشروع ناجح.