كثر الحديث مؤخراً عن مستقبل الصحافة الورقية، وإلى أين يتجه، في ظل تزايد شعبية الإنترنت والمواقع الإلكترونية يوماً بعد يوم. واسمحوا لي أن أتحدث عن هذا الموضوع من المنظور الاقتصادي فقط (بحكم قربي من الصحافة الورقية)، وبالتركيز على الصحافة الورقية المحسوبة على المملكة من صحف ومجلات تصدر داخل وخارج المملكة، سأصنف الصحافة الورقية السعودية إلى فئتين رئيسيتين، بسبب تشابه الظروف الاقتصادية داخل كل فئة.
تتضمن الفئة الأولى صحافة ورقية، تعتمد في إيراداتها على الإعلانات التجارية والحكومية بنسبة كبيرة، تتجاوز 90 في المئة؛ إذ إنها لو وزعت أعدادها بالمجان لما تأثرت. (ومن هذه الفئة صحف الجزيرة والرياض وعكاظ). وتتميز منذ سنوات طويلة جداً بمعدلات عالية للانتشار والقراءة. وهذه الفئة لم تتأثر حتى الآن بما يحدث حولها، بل على العكس تماماً؛ إذ لها الآن وجود قوي جداً في الإنترنت من خلال مواقعها الإلكترونية ومواقعها للتواصل الاجتماعي بمعدلات زيارة ومتابعة هي الأعلى دائماً مقارنة ببقية المواقع الإلكترونية؛ ما يدل على أن هناك قيمة مادية غير ظاهرة لمواقعها الإلكترونية، إلى جانب إيراداتها التي تتنامى تدريجياً من الإعلانات الإلكترونية.
أما الفئة الثانية فتتضمن صحافة ورقية تواجه مصاعب في إيراداتها من الإعلانات التجارية والحكومية. بعض هذه الصحافة تم تأسيسها منذ سنوات طويلة، وبقيت حتى يومنا هذا، وبعضها تم تأسيسها مؤخراً بسبب مجاملة لأشخاص أو لمناطق عزيزة علينا جميعاً، وبعضها تم تأسيسها خارج المملكة.. إلا أن جميعها - مع الأسف - تأثرت سلباً في إيراداتها نتيجة لضعف نشاطها الرئيسي من الصحافة الورقية، وبدأت مرحلة الاضمحلال التدريجي، رغم نجاح البعض منها في إيجاد موضع قدم قوي من خلال مواقعها الإلكترونية ومواقعها للتواصل الاجتماعي.
أما ما يتعلق بالمجلات فجميعها تأثرت سلباً في إيراداتها بشكل أسرع من الصحف بسبب أن الآراء والتحليلات التي كانت تتميز بها المجلات لم تعد قادرة على منافسة الآراء والتحليلات في المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السياق نفسه، يجب الإشارة إلى أن الكيانات العملاقة للإعلام المرئي أصبحت تشكل منافساً قوياً جداً للصحافة الورقية في الإنترنت من خلال مواقعها الإلكترونية ومواقعها للتواصل الاجتماعي، إن لم تكن سيطرت. ولا أبالغ في القول إن كيانات الإعلام المرئي وبعض المواقع الإلكترونية هي المنافس الرئيسي في الإنترنت للفئة الأولى من الصحافة الورقية. ولا ندري حقيقة من سينتصر في النهاية؟