لا جدال في أنّ الأخطاء واردة، ويسوؤنا جميعا أن نرى القصور بأيّ شكل كان . هذا، ولكن ما لا يمكن تجاهله هو أنّ بعض المناضلين تخصص في نقد ما يحدث هنا، وهو نقد غير موضوعي في الغالب، إذ يتم تضخيم الأخطاء، والمبالغة في عرضها، والغريب أنّ هؤلاء «المناضلين» ليسوا جهلة، فهم يعلمون جيداً أنّ الكوارث الطبيعية - كالأمطار الغزيرة على سبيل المثال - تحصل في كل مكان، وتخلف دماراً هائلاً ،، ومع ذلك فهم لا يتورّعون عن إثارة البلبلة، ودونك ما كتبوه بعد أمطار مكة الأخيرة، ولو عرف عن هؤلاء المناضلين الإخلاص، والحس الوطني الصادق لهان الأمر، ولكنهم من النوع الذي يستمرئ التصفيق، ويلعب على مشاعر البسطاء من الناس، والمؤلم في الأمر أنّ هؤلاء البسطاء لا يعلمون عن تاريخ هؤلاء المناضلين المزيفين شيئاً، وهنا الإشكالية الكبرى!.
إنّ معظم مدّعي النضال هؤلاء - يا سادة - في حقيقتهم أثرياء، بل إنّ معظمهم أثرى من أموال المواطنين، وهم الآن يناضلون من أجل الوجاهة، والشهرة، ولا تغرّنكم لغتهم المتواضعة، فهم يعيشون في أبراج عاجية، وربما لو قابلكم أحدهم لاستهجن الجلوس معكم من منطلق طبقي بحت، وهم في هذا مثل المواطن الأمريكي الأبيض، أيام سياسة الفصل العنصري، والذي كان لا يستغنى عن سماع الأصوات الشجية للمطربين السود، ولذا فهو يدعوهم إلى حفلاته، ولكن كلا الطرفين يعرف حدود العلاقة المتبادلة، فالقاعدة التي رسّخها البيض عند السود هي أنني أطرب لصوتك، ولكن إياك أن تتجاوز حدودك، وتحاول الجلوس معي على طاولة واحدة، وهذا ما كان، فالأسود يقف مغنياً طوال الليل، ثم يستلم أجرته، ويغادر الحفل دون أن يأكل، ناهيك عن أن يجلس مع السادة البيض، وهذا ما يفعله «المناضلون» الأثرياء هنا، فهم يثيرون العامة من صالونات منازلهم الفاخرة، لا حباً فيهم، بل دفاعاً عن مصالحهم الذاتية، وبحثاً عن الأضواء المنحسرة.
أحد أبرز المناضلين الأثرياء حالياً يعتبر حالة استثنائية، فهو مثل الأندية الرياضية سابقاً، إذ هو كاتب اقتصادي - رياضي - اجتماعي، وربما فني قريباً، فهو الذي كان يلوي فمه متحدثاً، وهو يحرضكم على شراء هذا السهم، أو بيع ذاك، أيام فورة سوق الأسهم الشهيرة، قبل سنوات، ولم يكن حينها ناصحاً، بل كان يستغفلكم لخدمة محفظته المليارية الخاصة، وبعد انهيار السوق خرجتم من السوق خفافاً، وخرج هو ثرياً، وها هو الآن يناضل ضد الدولة من أجلكم، وأنتم تتابعونه، وتصفقون له، مع أنه، وغيره من المخادعين، كانوا السبب في إفلاسكم، والخلاصة، هي أننا لا نمانع سماع النقد الهادف من الإنسان الصادق، ولكن لا يفترض أن يخدعنا «المناضلون الأثرياء»، والذين ينتقدون ذات السياسة الوطنية التي كانت سبباً في ثرائهم، فهؤلاء لا يناضلون من أجلكم، بل من أجل ذواتهم الخاصة، فاتركوهم وشأنهم، فهم من الكاذبين!.