لم تمض أيام على تسريب شريط صوتي عن مؤامرة علنية تحاك ضد المملكة، وما صاحب ذلك من صمت مطبق من قبل المتأسلمين عن هذه الحادثة، حتى صدر بيان عن وزارة الداخلية يعلن القبض على خلية إرهابية كبرى، تعمل على إنجاز بنية تنظيمية تستهدف الأمن، وتنوي تنفيذ اغتيالات على كل المستويات، ومرة أخرى، صمت الحزبيون -المعلومون والمتخفون- ولم يعلق أيّ منهم بكلمة على هذا الحدث الجلل، وأنا لا أقرر هنا أن الشجب، والاستنكار هو معيار الوطنية، ولكن إذا كان الإنسان يعلق على كل صغيرة، وكبيرة، حتى ولو كانت قضية خارجية، ثم يصمت حيال قضايا وطنية مصيرية فإن هذا مدعاة للشك، فما بالك إذا كان الأمر أعمق من ذلك بكثير!.
بعد إعلان الداخلية، وصمت الحزبيين حياله، تذكرت أن بعضهم يتعاطف علناً مع الموقوفين المتهمين بالإرهاب، بل ويحثون أتباعهم على التظاهر للمطالبة بإطلاق سراحهم، وكم كان مفاجئاً لي أن بعض الدعاة المشهورين، من المنتمين لتنظيم الإخوان المحظور، له كتابات لا زالت متداولة، يتعاطف من خلالها مع الهاربة إلى اليمن، أروى بغدادي، والتي ورد اسمها في بيان الداخلية!!، فكيف نتوقع تعليقاً ممن يتعاطف مع هؤلاء المقبوض عليهم؟!، وكيف بالله سيكون شكل هذا التعليق فيما لو صدر؟!، وكان لافتاً أن أحد هؤلاء كان يدعي أن رجال الأمن يحققون مع الموقوفات، وهو ذات الشخص الذي لم يكتب حرفاً عندما تم الإعلان عن القبض على فتاتين بصحبة مهربين كانتا في طريقهما إلى اليمن، والتي يبدو أنها هي الوجهة المفضلة لتنظيمات الإرهاب منذ بداية التثوير العربي!.
حسناً، إذا كان أحد حمقى التنظيم الدولي السعوديين قد كتب قبل مدة مرثية بأبي مصعب الزرقاوي، مشيداً بشجاعته، ومؤكداً على أن النساء لم، ولن يلدن مثله، فهل يحق لنا أن نستغرب صمت رفاقه حيال الإعلان عن القبض على تنظيم إرهابي كبير؟!، ومع ذلك فإن ما يحز في النفس هو أن هؤلاء المتأسلمين لا يزالون يخادعون الناس، ويلعبون على وتر المشاعر الدينية، ويتلونون حسب الظروف، إضافة إلى أن نجاح الجهات الأمنية المبهر خلال السنوات الماضية لم يتواكب معه جهد فكري «تحصيني» في محاضن التعليم، والمساجد، والإعلام، ولذا فإن الجهد الأمني لوحده ربما لا يكون كافياً للقضاء على هذه التيارات الشاذة، لأن القضاء على المنتج النهائي لهذه الجماعات دون قطع جذورها في محاضنها سيجعل الأمن في مواجهات طويلة معها، ويقول المختصون إن حلقتين من برنامج الثامنة، في قناة ام بي سي، مع الزميل داود الشريان، عن قضية أم محمد الشهيرة كان يعادل أو يفوق جهود لجان المناصحة الموقرة لسنوات، ومن هنا فإننا نتمنى أن يتواءم الجهد الفكري في مواجهة جماعات الإرهاب مع الجهود الأمنية الجبارة، والفائقة النجاح، والتميز، مع دعواتنا لرجال الأمن البواسل بالتوفيق، والسداد!.