قبل الحديث عن الموضوع الأساس في هذه المقالة أود أن أشكر الله - سبحانه - على توفيقه الجهات الأمنية في وطننا العزيز لكشف المخطط الإرهابي. زاد الله هذه الجهات توفيقاً وسداداً. والحمد لله على توفيقه بأن وُجِد بين الجهات
الأمنية شخصيات مثل اللواء منصور التركي المُتحلِّي بالرزانة والأسلوب الجميل المتَّزن. حمى الله هذا الوطن وأهله من مكائد الأعداء في داخله وخارجه.
أما بعد:
ففي عام 1959م كانت هيمنة الشيوعيين في العراق على مفاصل الحياة في أَشدِّ حالاته. وقد كتبت حينذاك قصيدة نشرتها في مجلة الأحد اللبنانية بعنوان «باسمك الَّلهم». ومن أبياتها:
باسمك الَّلهم لبينا هتاف الضمائرْ
ومضينا نركب الأهوال مشبوبي المشاعر
لا اندلاع الجور يثنينا ولا تلك المجازر
عزمنا مثل دويِّ الرعد في الآفاق هادر
يَتحدَّى كل جَبَّار بدين الحق كافر
كل طاغٍ أرعنِ التفكير مفقودِ البصائر
ومنها:
يا أخي إن أطلق الأوغاد أبواق الشتائمْ
وأقامت طغمة الإرهاب للبطش الدعائم
ومضت تنزل بالأحرار أنواع الجرائم
وأشادت قلعة حمراء من فوق الجماجم
ليصيب الجور منها فوق صدر الشعب قاسم
لا تخف لا بد من نصر على الطاغين حاسم
الحديث، هنا، عن جرح العراق النازف، الذي عايشه - وما زال يعايشه - كاتب هذه السطور؛ أي منذ منتصف القرن الميلادي الماضي. كان الحكم في العراق ملكيّاً. وكان الرجل الأقوى هناك رئيس وزرائه نوري السعيد، الذي بدأ نشاطه القومي العربي وهو ما زال طالباً في الكلية العسكرية. ونتيجة لذلك النشاط فُصِل من الكلية ولم يُعَد إليها إلا بشفاعة ابن رشيد، أمير جبل شمَّر، لدى السلطان العثماني. ومَرَّت الأيام وإذا بنوري السعيد يصبح رئيساً للوزراء في العراق، ويبرهن على أنه سياسي مُحنَّك. فوصل العراق في عهد وزارته إلى درجة عظيمة من التقدُّم والازدهار. على أنه اختار أن ينحاز إلى الغرب في مواجهة المعسكر الشرقي. فتكوَّن حلف بغداد الذي كان العراق الركن الأساسي فيه. وكانت المملكة العربية السعودية في طليعة الدول العربية المعارضة لذلك الحلف.
وفي عام 1955م عُقِد مؤتمر باندونج في أندونيسيا، وهو المؤتمر الذي تَمخَّض عنه قيام دول عدم الانحياز. وقد تألَّق في ذلك المؤتمر سوكارنو رئيس إندونيسيا، وتيتو رئيس يوغوسلافيا، وجمال عبد الناصر رئيس مصر، ونهرو رئيس وزراء الهند، و شو ان لاي رئيس وزراء الصين، وفيصل بن عبد العزيز وليُّ عهد المملكة العربية السعودية.
وفي ذلك الجو تحمَّس ملك الأردن، الحسين بن طلال، وخلَّص الأردن من جلوب باشا، الذي يقال له عند العامة: أبو حنيك، وانضم إلى الجانب العربي، الذي كان قوامه: المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا. وقد أشار إلى ذلك الشاعر المبدع سليمان الشريف في إحدى قصائده قائلاً:
مِصرٌ ومملكة السعود وسوريا
عادت تكملُ عقدهنَّ الأردنُ
وإضافة إلى ما تَمَّ من إعمار في عهد حكومة نوري السعيد كانت هناك حرية تعبير بدرجة جيدة. ومن ذلك أن العالم الشاعر محمد رضا الشبيبي ذهب إلى نوري وهاجمه مواجهة بأقصى عبارات الهجوم كقوله له: أنت عميل للاستعمار. قال له نوري: يا شيخ محمد لقد صدقت في كل ما قلت. بل إني أسوأ من كل ما قلت. لكني أود أن أقول لك: إني، هنا، غطاء لو أزيل لرأيت أشياء ليس لها مثيل في الكراهة. ولما حدثت ثورة فريق من الجيش بقيادة عبد الكريم قاسم، وأطيح بالحكم الملكي، وذهب حكم نوري، واستولى الشيوعيون على مفاصل الحياة في العراق أرغموا الناس على إلحاق أبنائهم وبناتهم بالجندية في الحرس الثوري. وجاءوا إلى بيت الشبيبي ليأخذوا بناته لتلك الجندية، فقال رحم الله نوري، فقد رأينا ما حذّرنا منه.
وفي عام 1958م قام فريق من الجيش العراقي بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم بالإطاحة بالحكم الملكي في العراق بطريقة دموية شنيعة. وكان ممن قضي عليه بطريقة فظيعة نوري السعيد. وفي عهد الزعيم عبد الكريم قاسم استبد الشيوعيون في العراق ، وأقيمت محكمة المهداوي المسخرة. وكان مما ارتكبوه من الجرائم سَحْل معارضيهم في الأسواق. وكان عام 1959م عاماً شهد أبشع تلك الجرائم؛ وبخاصة في الموصل وفي كركوك حيث دُفِن الناس أحياء.
على أن عبد الكريم قاسم غَيَّر موقفه تجاه الشيوعيين في وطنه عام 1962م، وشكَّل حكومة مسالمة للغرب. وحينذاك كتبت قصيدة من أبياتها:
هي ساحتي ما زال يغمرها الأسى
و هُمُ تتار الأمس لم يتبدَّلوا
بغداد ما برحت تَجرُّ طيوفها
حُرٌّ يُمزَّق أو شهيد يُسحلُ
مهما تناسيت المجازر والدِّما
كركوك لن تنساهما والموصلُ
مهما افتعلت أَأَستقر وموطني
ما زال يحكمه الزعيم الأَوَّلُ
وطيوف أعمدة الضياء ويالَها
بجسوم أبطال التحرُّر تُثقَلُ
ومُهرِّج الطاغين يصرخ فيهمُ
لِتدقَّ مِطرقة ويحصدَ مِنجلُ
دار السلام وما تَغيَّر فوقها
إلا الأساليب التي تَتشكَّلُ
بغض التحرُّر مالك حكامها
لن يتركوا طبعاً ولن يَتبدَّلوا
وأتوقَّف هنا لأقول: كان نوري السعيد، حاكم بغداد الحقيقي، موالياً للأجنبي الغربي، وكان عبد الكريم قاسم موالياً للأجنبي الشيوعي، والآن أصبح حاكمها نوري المالكي موالياً للأجنبي الإيراني.